أعراف
- التفاصيل
- الزيارات: 1392
وما زلنا نقول:
أحَب الشعر الحرية وقيم الإنسان العليا والاستقلال والتغيير والتجديد فخرج على الرق والأسْر والأسرّة والعادي والرتيب والبارد ولم يفعل ذلك الشعراء.
وانتفض الشعر على التقعر والتصنع والألعاب اللغوية ولم يفعل الشعراء.
وتمرد الشعر على الأرفف والغبار والجمود والرماد، وانحاز للناس والهواء والحياة بكل تناقضاتها ولم يفعل الشعراء.
خرج الشعر من القلب لا من اللسان، وهدته الرؤية والبصيرة، حاور الشك، وابتغى اليقين، جاد بالأسئلة، وطار بأجنحة الموهبة، فحلٌق عالياً، ووصل إلى قلوب الناس نابضاً دافئاً حيّاً نابهاً منبهاً جريئاً مدوياً هامساً عذباً جواداً نبيلا.
خرج الشعر من الروح سحاباً ممطراً فتلقته الأرض فأنبت من كل لون بهيج.
وخرج الشعر على الظلم والاستبداد والقهر والاستعمار والقتل وصاحب الحق والخير والجمال.
خرج على الكراهية والحقد واصطفى الحب والدفء والصفاء.
وقاتل الشعر وقاوم في سبيل المبادئ والقيم وانتصر للقضايا العادلة فلا شعر يؤيد الاحتلال والاستعمار والتدمير والتهجير والأسر.
ولا شعر يحتفي بالمحتل وينثر عليه الورد ويقلده القصيد.
ولا شعر يتكئ على المستعمر ليصل لغاياته الرخيصة.
ولا شعر يصدح تحت أحذية المستعمر، بل يصدح الشعر تحت أشجار الحرية، وفوق أغصانها.
الشعر هو غناء الإنسان بكامل إنسانيته، والشعر والكلمة أيضاً طلقة مقاومة، ورصاصة في جبين الغاصب، وسلاحُ في يد المنتفضين على الاستعمار قديمه وجديده .
وعندما يدعونا الفرحون بالاحتلال، القادمون معه، القابضون منه، أو المستكينون له أن نمجد هذا الاحتلال بالصهيل تحت رايته فإننا نرفض لأن الشعر يرفض هذه المهانة والخيانة.
وعندما يشتمون من يرفض فهذا يزيدنا إصراراً، ويثبت بما لا يدع للشك بأننا الحق وهم الباطل، وبأننا مع كرامة الإنسان وعزته وحريته، وهم مع أنفسهم المريضة الخانعة.
لا يتلوث الشعر، ولا يتلوث المنبر.. بل يتلوّث الشعراء المتلونون الحربائيون.
ولا يموت الشعر، فالشعر الإنسانيّ لا يموت.
وشعر الحب لا يموت.
والشعر المقاوم لا يموت..
بل يموت الخونة والانهزاميون والبائعو ضمائرهم وأمتهم وهويتهم وأهلهم وكرامتهم.
لا يموت الشعر بل يموت من يشربون من كأس المحتل، ويأكلون على موائده، ويتغنون بديمقراطيته اللعينة التي تحصد الملايين من الأرواح البريئة من أهلهم، وتأسر مئات الآلاف، وتترك عشرات الآلاف من الجرحى والمرضى يتعفنون حتى الموت، ومن سلم منهم من بعد ذلك يجد نفسه بلا سقف ولا دخل ولا زاد.
لا يموت الشعر بل يموت الذين يستوي عندهم القدس الشريف والبيت الأبيض..
لأنهم لا يحسنون الركوع إلا للمحتل، ولا يعرفون التقبيل والتطبيل إلا لحذائه..
ولقد اتضح أن هؤلاء المنافقين هم أسرى الاحتلال.. هم الأسرى، وليس الأبطال الذين يقاومون من أجل أمتهم وهويتهم وأهلهم.
لقد أحب الشعر الناس فرفعهم، واستطال بهم نحو شموس العزة والكرامة، ولم يفعل ذلك الشعراء الضالون الذين ارتبطوا دائماً بالوحل والضحالة، وارتبطت أشعارهم بالحضيض عبر العصور.
الشعراء الذين ما عرفوا أن الشعر كالحب، كما قلت مرةً: ليس له تعريف دقيق، ولا توصيف عميق، لكنه أقرب ما يكون للشجر، متشابه، وغير متشابه، له تربته المعرفية، وله جذوره الضاربة في التاريخ، وله بوصلة الاستدلال على الينابيع، وله القدرة على شق الأرض والحجارة، كما له القدرة على التشبث بها، والشعر كالشجر يسمو دائما نحو الشمس والأفق، يزهرُ ويثمرُ، وتغني من خشبه أعواد الدهشة، وتردد خلفه أصوات المنشدين. يقاوم الريح، ويتثنى مع النسيم، ويمزج الأضداد، فهو على سفرٍ ومقيم، ظلالُه خاصة ومشاعة، وفاكهتهُ مُحللة، محرّمة!!
ولا يستطيع الشاعر العربي اليوم أن يعيش في عالمه الخاص منقطعاً عن العالم، كما أنه لا يستطيع العيش بدون نظام، وأمن، وسقف ككل الناس، ولا يمكن أن لا يكون له انتماء لقطر أو بلد محدد، وأن لا يحمل هوية وجواز سفر.. ولكنه عبر وطنيته أيضاً عليه أن ينتميَ لحضارته العربية الإسلامية، وأن يفهم حضارات العالم.
لقد تغير العالم من أيام الشنفرى، وطرفة، إلى اليوم.. لكن القيمة الشعرية لم تتغير. فالشعر كما ذكرت متشابه وغير متشابه، ولكل شاعر رؤيته وعالمه ولغته وأسلوبه الخاص، وهنا جمال الشعر الذي يترك للذائقة أن تنتقي وتختار وتحكم.
الشعر ليس فرض عين، وليس تجنيداً إجبارياً، أو اختباراً لنيل وظيفة، أو سعياً خلف منصب.. بل هو مسألة اختيارية كتابة وقبولاً، فعلاً ورد فعل، تحدياً واستجابة.
لا إكراه في الشعر، فالشعر كبقية الفنون ليس فرض عين، والشاعر لا يضرب على يده ليكتب، والمتلقي ليس مجبراً على الافتتان أو الاستماع لمن لا يتذوق ولا يحب.. وهذا ما لا يفهمه جمهور الأمسيات الشعرية خاصة في الأندية الأدبية، كما لا يفهمه من يعد لهذه الأمسيات.
ومن جهة أخرى.. لا يمكن تصنيف الشعر والشعراء كما يُفعل اليوم، وذلك ببساطة لأن الشعر ليس " موضة " أو تقليعة، وهو لا يندرج تحت تصنيف زمنيّ أو مرحليّ أو شكليّ كما يفعلون، حتى أنهم أصبحوا يصنفونه كل عقد، فهذا تسعيني، وهذا ثمانينيّ، وذاك سبعيني، هذا خطأ كبير، فالشعر امتداد واستطالة، وتراكم لا نفي، والشعر تربة وجذور وشجر وأوراق وثمار.
ولا بد من أن يكون للشاعر موقف، حتى في الحب.. ولكن ليس بالضرورة أن تطغى السياسة على الفن.. فهنالك معادلة صعبة لا يحسنها إلا قلة من الشعراء.
وعلى الشاعر، والكاتب بشكل عام، أن يكون عادلاً منصفاً فليس كل ما يدور حوله سيئاً لأنه لم يعجبه، أو لم يلب احتياجاته، كما أن الحلول لا تأتي من الصياح، ورفع الصوت حد الشتم، وليس على الشاعر أن يعارض للمعارضة لكسب الجمهور، بل على العكس تماماً، إنها مسألة مبادئ وأخلاق وشرف وحب للأوطان.. والوقوف معها في أزماتها، والنهوض معها في تطلعاتها، والتفكير في قضاياها بشكل عميق وبعيد وإستراتيجي، وليس عبر انفعالات اللحظة، والعيش بعد ذلك بسعادة وأمن في نعيمها، فهي عزيزةٌ كما قال الشاعر وإنْ جارتْ!!
- التفاصيل
- الزيارات: 3167
المغَنِّي
( أنَا أَوَّلُ العَاشِقينَ وآخِرُهُمْ:
سَقَطَتْ نَجْمَةٌ عِنْـدَ بَابِي
صَرَخْتُ ثِيَابِيْ..!!
وَقَدْ نُزِعَتْ منْ شِبابِي الطُّـفولَةُ
أَدركْتُ أَنِّي
عـلى غَيْرِ مَا أسْتَسِيغُ أُغَنِّي.)
- التفاصيل
- الزيارات: 2894
على كلِّ حالْ
جنوبٌ هو الحبّ
أمّا الهوى فشِمَالْ.
على كل حالْ..
مهاجرةٌ كالطيورِ القلوبُ
تُضاءُ الدروبُ فتمطرُ
تأتي الحبيبة في هدأةٍ
أقولُ تعالي.
تقولُ تعالْ.
لها عزةٌ بهجةٌ ودلالْ
وخالٌ لها
ليس خال التناسلِ والإرث
لكن لتفاحةِ الخدِّ خالْ.
جمالٌ تربى على الورد
ما اجْتلبتْهُ الأيادي
تسامى مع العودِ غنّى ومالْ.
ولي المفرداتُ
جلالٌ من الأحرفِ العربيةِ
ما يترددُ في العين من دهشةٍ
قبلَ طرحِ السؤالِ
وبعدَ السؤالْ.
وما يُشعِل الصبح فينا
على قهوةٍ مرةٍ
تلأْلأُ عند ارتفاع الجباهِ
وعند انحناء الدّلالْ.
يطيرُ بنا الوقتُ أجنحةً
كالطيور مهاجرةً
لا حدودَ هنا
لا تهامة
لا بحرَ
لا في السوادِ الجبالْ.
على كل حالْ
ستبقى بروحي وإنْ غادرَتْ
وننمو على الحبِّ رغم الجهات
فمنها جمالٌ
ومني جمالْ..
- التفاصيل
- الزيارات: 1798
الروعة والجمال والكمال كلمات نطلقها كأسراب الحمام، كلمات مُحبة نقولها أمام هذا العمل أو ذاك، أو لهذا المبدع أو ذاك، وهي مفردات فضفاضة تعني كل شيء، وقد لا تعني شيئاً، عدا أنها تنطلق من باب حسن النية والأدب، وقد يكون من باب حسن التخلص أيضا، ثم شاعت حتى فقدت قيمتها، فأصبحنا نطلقها على كل عمل تقريباً، وهي تشبه كلمة الحب، والفعل منها، حيث يكررها الناس كثيراً، وهم لا يعنونها تماماً، مما يوقع الجميع في لبس ومشاكل كبرى لاحقاً، حين يكتشفون أنه شعور مخاتل قد يعني الفقر والجوع العاطفي، والحاجة إلى ما نفتقد، واللبس، والاختلاط في المفاهيم والمشاعر بسبب البنية الاجتماعية والنفسية المشوشة، والضبابية، وفي أحيان كثيرة المحملة بحمولات لا طاقة للفرد على استيعابها وفرزها وتقنينها.
ونحن لا نستخدم توصيفات أكثر عمقاً ودقة كعمل متقن مثلاً، لأن ذلك يحتاج إلى دراية ومعرفة وتبريرات، ولا يمكن أن نقول إنه عمل يحتاج إلى عدة قراءات، وبشكل عام نحن لا نقول إننا لم نفهم العمل، أو إنه لم يُغنِنا، أو لم يَعننا، وبكل تأكيد نحن لا يمكن أن نقول إننا نجهل هذا النوع من الأعمال، أو إننا لا نملك الخلفية المعرفية لتذوقه بالذات، أو لإبداء الرأي فيه.
أيكون لذلك أننا لا نتعلم، وهل يكون لذلك أننا نوهم الناس بما ليس فيهم، وربما بما ليس فينا؟!
مثلاً، شخصياً، وضمن معرفتي وذائقتي، لا أحب أن يُطلقَ على القصيدة: نص، فالقانون ينصّ، ونصه صريح ثابت، والشعر متحرك غير ثابت، فهو يحلّق ويحيل، ويمطر. لا اسمَ أجمل من قصيدة، وبيت شعر.. هذا بالطبع عندما تكون القصيدة قصيدةً، والبيتُ بيتاً من حبٍ ودفءٍ وجمال.
والمرأة قصيدة، فنسميها قصيدة العمر، لكنها ليست بنص، ولا يمكن أن نقول لها تعالي يا نصي!! وقد ذكرت هذا على صفحة الفيسبوك قبل شهور.
والنص بالإنجليزية: Text، وهو يعني كل مادة قابلة للقراءة، سواء أكان عملاً ثقافيا، أو إشارة طريق، أو رسالة جوال، أي أنه يندرج تحته أو في قالبه كل شيء، والنص المفتوح: قد يتضمن ما هو شعري، وما ليس بشعر.
أما القصيدة، فحتى لو ضاق اسمها على معناها الجديد، فلا زال له وقعٌ يستدعي تراثاً من الجمال الشعري الخرافي، والقصيدة لا تشير إلا لما هو شعري.. وما زال الغرب يستخدم مفردات لاتينية وإغريقية تغير معناها الأصلي، لكنها ما زالت تمثل القيمة الكلية والفعلية.. والأمثال كثيرة، وحاضرة.
وأرى أن من حق العرب أصحاب هذا الإرث الشعري، أن يبقوا على مسماهم القديم..
وأنا شخصيا أرى فيه جمالا أخاذاً: فالمقاصد بوابة كبيرة عالية.. أظنها من خشب معتق لا يبلى، بل من شجرٍ ما زالت تدبُ فيه الروح..
وأشكر أ. د. عبد الله بن أحمد الفيفي أن اختصر لي المسافة في زاويته مساقات في المجلة الثقافية العدد 352 بتاريخ 12-12-1432 بعنوان: شعرية البناء الموسيقي، وكأننا كنا نفكر في نفس الأمر، فكفاني مؤونة البحث في معنى «قصيدة»، إذ يقول: «وكنّا أشرنا في طرحٍ سابق إلى أنه يَحْدث في جدليّاتنا الحديثة، ولا سيما حول (قصيدة النثر)، مغالطاتٌ تستهدف معنى «قصيدة» في السياق العربيّ.. لغويًّا وفنّيّاً. ذلك أن «القصيدة» لم تسمَّ بهذا الاسم في اللغة العربيّة -ولغير العربيّة ما لها- إلاّ لأن النصّ «مقصّد»، أي منغّم، منظّم، مرتّل في وحدات موسيقيّة، وفي وزنٍ مستقيم، أو ما أطلق عليه الخليلُ مصطلح: بحر. لأن من معاني «القَصْد: استقامة الطريق... وطريقٌ قاصد: سهلٌ مستقيم... والقَصِيدُ من الشِّعْر: ما تَمَّ... سُمّي بذلك لكماله وصِحّة وزنه. وقال ابن جني: سُمّي قصيداً لأَنه قُصِدَ، واعتُمِدَ، وإِنْ كان ما قَصُر منه واضطرب بناؤُه، نحو الرَّمَل والرَّجَز، شِعرًا مُراداً مقصوداً، وذلك أَن ما تَمَّ من الشِّعْر وتوفَّر آثَرُ عندهم، وأَشَدُّ تقدُّماً في أَنفسهم، ممّا قَصُر واختلَّ، فسَمَّوا ما طال ووَفَرَ قَصِيداً، أَي مُراداً مقصوداً، وإِنْ كان الرَّمَل والرَّجَز أَيضاً مرادَين مقصودَين. والجمع قصائد... وأَصله من القَصِيْد، وهو المُخُّ السمين، الذي يَتَقَصَّد، أَي يتكسَّر لِسِمَنِه، وضِدّه: الرِّيرُ، والرَّارُ، وهو المُخُّ السائل الذائب، الذي يَمِيعُ كالماء ولا يتَقَصَّد، والعرب تستعير السَّمينَ في الكلام الفصيح، فتقول: هذا كلامٌ سمين، أي جيّد. وقالوا: شِعرٌ قُصِّدَ، إذا نُقِّحَ وجُوِّدَ وهُذِّبَ. وقيل: سُمِّي الشِّعْرُ التامُّ قصيدًا لأَن قائله جعله من باله، فَقَصَدَ له قَصْدًا، ولم يَحْتَسِه حَسْياً على ما خَطَرَ بباله وجرَى على لسانه، بل رَوَّى فيه خاطره، واجتهد في تجويده، ولم يقتَضِبْه اقتضاباً...».
ولا يكون الخروج في الشعر من مسمى قصيدة والدخول في مسمى نص، قابلاً للتحقق، إلا إذا تحقق التالي: أن يكون الشاعر قد استوعب اللغة وأتقنها بما يتجاوز العادي، لا أن يكون هارباً منها، ومن قواعدها.. وذلك ليتمكن من تفجير طاقاتها.. وتخصيب وتجديد معانيها. وأن يكون قد استوعب الشعر، ليصل إلى الموسيقى الداخلية الخاصة به. ما عدا ذلك يكون كتابة خارج الشعر، بمعنى أنه ينبغي أن يكون ما يكتبه نتيجة لأنه أراد كتابته.. لا لأنه استعصى عليه ما أراد. أي لا بد أن تدخل البحر لتخرج باللآلئ.. كما كان الأمر لدى بيكاسو ودالي.. وغيرهم، دخلوا عالمهم الجديد عبر معرفة وإجادة أدواتهم القديمة، تماماً كإجادة الأبجدية.. الأبجديات التي لا غنى عنها في كل عمل متقن. ونحن في الغالب لا نرى ذلك متحققا، أما إن تحقق له ذلك فإن من حقه علينا أن نعترف بنصه كنص.