أعراف
- التفاصيل
- الزيارات: 2064
هل كان لزاماً علينا أن نكون هكذا، وأن نعيش هكذا ساعين ما بين سفوح الخديعة والسراب، وقمم الحزن والضياع والجنون؟!
هل كان لزاماً علينا أن نختار تلك الطرق الوعرة، وهذه الممرات العالية التي تحبس الأنفاس، هذه القيم والمثل التي نتعالى بها، ويجرّمنا الآخرون من الباعة على التشبث بها؟!
هل كان لزاماً علينا أن ننحاز لقضايانا، ونحترق من أجلها، وتـُقصف أعمارنا في سبيلها، تنفطر قلوبنا، وتتسع جراحنا باتساع الأوطان، ولا أوطان في الأوطان؟!
من المغرب للمشرق كان حبنا وهمنا وشعرنا ونزف أقلامنا.. ومن المشرق إلى المغرب كانت أحلامنا تذوي، وآلامنا تدوي بصرخات الأسى والرعب واستغاثات الموتى.
وها قد كبرنا وما ظلّ فينا متسعٌ لانكسارٍ آخر، وخيبةٍ أخرى، وصرخة أخرى.
ولا ظلّ في مدافن القلب مكانٌ لشهيدٍ آخر، لطفلة صريعة أخرى..
ما ظلّ في العين مكان لانتكاسةِ علمٍ آخر، ولا في القلب وجيبٌ لسقوط عاصمة أخرى، ولا في الروح روحٌ لاحتمال انهيارٍ آخر.
ها قد كبرنا واكتسَحَـنا الشيب فيما الدبابات تكتسح حقول معرفتنا وآمالنا، حقول فتوّتنا وعزتنا، حقول كرامتنا.
ماذا أخذنا من العمر إذاً غير أزيز الطائرات، وهدير المدافع واحتراق الجثث والأوطان؟!
منذ نعومة أظافرنا ونحن نسعى من حرب إلى حرب، ومن دمار إلى دمار، ومن خيبة إلى ارتكاس، ومن خديعة إلى انتكاس.
أو كلما جمعنا أشلاءنا، وعقدنا آمالنا، وجمعنا طاقة الجسد والذهن انهدّ جدارنا بفعلنا قبل فعل غيرنا؟!
يا لهذا الدمار الهائل، ويا لهؤلاء البشر المدمّرين؟!
واليوم، وقد كبرنا، أصبحنا نخاف حتى من الحلم، نخاف أن نحلم حتى لا يتهدّم جدارنا، ولا تسقط مدننا، ولا يموت أهلنا، ولا تباع أوطاننا، ولا يؤسر أبطالنا، ولا تشترى ذممنا وعيوننا.
أصبحنا نخاف حتى من أن نسمي مدننا، وأحبابنا ومثـُلنا حتى لا تنقضّ عليها يد الأذى من إنسان هذا العصر وآلته، اقتصاده، وخرابه..
من يد ساسة ما خلف البحار المظلمة الذين يحيكون خطط دمار البشر، والبيئة، والمجتمعات، إلا سنوات انتخابهم القصيرة التي يحرسونها بالمدمرات والطائرات والجيوش المجيّشة.
يا لهذا الدمار الهائل، ويا لهؤلاء البشر المدمِّرين !!
هؤلاء الذين استخلفهم الله في الأرض، فعاثوا فيها فساداً، وسعوا بكل ما امتلكوا لتدمير بيئتها: ترابها، مائها، وهوائها.
وتخريب مجتمعاتها، ودكِّ كل حضارةٍ لا تتواءم مع مقاييس الخراب الذي ابتدعوه ورعوه من مكاتبهم الخلفية المحصنة.
وعندما لم تعد عقولهم وآلاتهم الجهنمية تكتفي بدماء المئات أو الآلاف من بني الإنسان، ولا بنوكهم تكتفي من عوائد الاقتصاد الحر..
أشعلوا الحروب الطاحنة، وبرّروا الإبادات الجماعية، والسجون الجماعية للقرى والمدن، والحصار إثر الحصار، والمقاطعات للدول بحيث لا يمر العام إلا على جثث مئات الألوف من البشر.
أو لم تقل مادلين أولبرايت إن مقتل مليون طفل أمرٌ مقبول في سبيل تحقيق أهداف أنبل، أو هكذا ؟!
مقتل مليون إنسان إذاً مسألة لا بد منها لكي يرضى السياسي, والتاجر، وصانع السلاح.. الغربيّ الأبيض المتحضر!!
لقد كبرنا إذاً وغطى الحزن مراحل من عمرنا، وهرم العالمُ معنا، وتكشفت للناس، وإن متأخراً، خديعة الديموقراطية الغربية الكاذبة، وزيف بريقها.
وتعرّى الوجه البشع لحضارة القتل والدماء.
هل كان لزاماً علينا إذاً أن نكون مع الإيمان ضد الكفر؟!
ومع الخير ضدّ الشر؟!
ومع العدالة ضدّ الظلم؟!
ومع النور ضدّ الظلمة؟!
ومع الهوية ضدّ التمييع والانحلال والاحتلال؟!
ومع اللغة ضدّ التلاشي؟!
الجواب وببساطة.. نعم
لأننا وما أجملنا، نحن أصحاب الحق، والهوية المعاندة، كلما سقط لنا شهيدٌ، أو قاوم مقاومٌ، امّحى ضعفنا، والتأم جرحنا، واستوى عودنا، وازداد عنادنا.
ولو أعطينا من العمر مثله لأعدنا عنادنا، في سبيل الحق والخير والجمال، ولوقفنا وقفة واحدة ضدّ شياطين الحروب ولو أضعنا أعمارنا.
- التفاصيل
- الزيارات: 1880
غريبٌ عجيبٌ أمرنا نحن!!
نذهب إلى الحقول, حقول المعرفة والإبداع والقراءة, بل نذهب إلى الحياة بثرائها وتنوعها وحيويتها مدججين بالسهام والنبال والسيوف القواطع, مدججين بالموت, محمَّلين أحياناً بالاستخفاف وأحياناً بالكراهية والازدراء.
نذهب متسقطين للأخطاء, مسيئين الظن, محيلين كل مفردة أو جملة إلى مرجعيات الشك والسوء والسواد، رامين كل حياة مختلفة مثمرة بحجارة الموت.
نذهب بلا جمال فنخرج بالقبح.
وندخل بدون تحية فنخرج بالويل والثبور.
ونجتاح المكان بدون سلام فنخرج بحروب شعواء.
ندخل إلى ما لانفهم, أو لا نميل إليه, أو ما هو خارج دائرة معارفنا وذائقتنا, فنخرج أساتذة في سوء الفهم, وقلب الحقائق, وتشويه البياض.
لا نعتني بصغارنا, ولا نحترم كبارنا, ولا نعطي للناس فرصة أن يعبروا, أو يتشكلوا..وكأن قلة الأدب, والتنكر للآخرين, وإفشاء الأذى ضرورة معرفية, وأدبية, وقرائية, ونقدية.
ندخل إلى أمسية شعرية لا نستسيغ شعر شاعرها, أو لا نتذوقه, أو لا يمثل مدرستنا, لنبذل كل ما في وسعنا للظهور, ولو بسؤال مكرور وتافه للتعكير, والتنكيد على من أتوا للاستمتاع.
ونكتب عن قصيدة أجهدنا أنفسنا طوال الليل لكي نعثر فيها على أي خطأ عروضيّ, ولو كان فيه قولان, أو خطأ مطبعيّ, أو إن لم نجد أوجدنا أي سبب, لمقاضاة القصيدة ولو بما كان يضمره الشاعر, أو لم يقله.
إنه لمن المهم في تفكيرنا المعوج أن نجلبها إلى طرف الصحراء لندفنها هناك كالموءودة لأنها ولدت فقط.
ليس من المهم أبداً أن نستوعب القصيدة, ولا من المهم أن نشعر بها, أو نناقشها.
المهم أن نمسك بخطأ ما, لو لم نجده لابتكرناه.
يحدث هذا مع مبتدئ أو مبتدئة, كما يحدث مع أسماء معروفة.
نحن نحاكم أيضاً بالأسماء, ولدينا تصنيفٌ لكل اسم, وخطابٌ جاهزٌ لكل مبدع.
يا الله هل يمكن أن يكون في دواخلنا كل هذا السواد, بحيث لا يمكننا البحث عن الجمال فيما نقرأ أو نشاهد أو نعيش؟إ
حتى في الشارع نظلم الناس بأعين الريبة والشك, نجرد الألوان من ألوانها, ونلغي الحياة من مضمونها, ونقف على القبور التي أعددناها لاستقبال الآخرين ودفنهم قبل أن نعرفهم, قبل أن يموتوا, ولا نعلم أننا نقف عليها حتى أصبحنا نحن الأموات.. حتى صرنا جزءاً لا يتجزأ من ترابها ولحودها.
نحكم على القصيدة من أول قراءة, وعلى القصة من نصف قراءة, وعلى معرض تشكيلي فيما نحن مشغولون بالأضواء والأحاديث, وليس من المستغرب أن نحكم على كتاب أو ديوانٍ ونحن ننتظر توقيع صاحبه.
نحكم على الرجل لأن ابن عمه ضابط, وعلى الطالب لأنه في القسم الأدبي, وعلى المعلم لأن شماغه البسام.
نحكم على المطلقة لأنها مطلقة, وعلى الشابة لأنها لم تتزوج, وعلى الأرملة لأن زوجها مات..
نحكم على المرأة لأنها امرأة, وعلى الطفل لأنه ليس برجل: " خليك رجّال ".
نحكم على النخلة لأنها ليست شجرة تين أو زيتون, وعلى الزيتونة لأنْ لا رمان فيها.
وفيما لو أقنعتنا النخلة الصابرة ذات يومٍ بأنها نخلة طيبة فإننا سنعنفها لأنها لم تكن سُكّريةً.
يحدث كل ذلك ليس لأنه من الصعب أن نرضى, بل لأننا تعودنا على التقليل من قيمة وجهد الآخرين!!
هكذا يرِدُ كثير من قراء الأدب والفنون والحياة بمجملها الوِرد.
ولو وردوا باحثين عن الحياة في الحياة, مزودين بالجمال, ناهلين منه, وواهبيه, لأعشب وجدانهم, ولأطلعوا من كل ثمر, ولكانت حياتهم, قبل حياتنا, جميلة مورقة هانئة.
ولكان لكتاباتهم طعم السكّر.. وفعل السحر.
ولكان لحضورهم عبق الورد.
ولكنا أول الواردين لمائهم, وأول الشاكرين لأفضالهم.
- التفاصيل
- الزيارات: 1840
لا أتخيلُ أحداً لا يترقب السحاب، ويراقب تشكّله بعيني طفل ودهشته مستلقياً على ظهره، أو سابحاً في تأملّهِ، فهذه السحابة سمكةٌ، وهذه أسدٌ، ها صارتْ جواداً، ها ركضتْ كطفل، ها تلاشت كقطن.
أما تلك البعيدة هناك فماردٌ، وجارتها فانوسٌ سحري.
أما المتعة الحقيقية فهي عندما تراقبُ من يراقب السحاب بحنوٍّ وحبٍّ دون أن يشعر، وقد كنت في شتاء مانح أراقبهما معاً: هيَ وهوَ، أنا الذي كنت أمسك بالسحاب في طفولتي في جبال الطائف، وقمم السروات، وهي عندما تراقبه تجعل يومي ممطراً بالجمال والشعر والصور، لأنها تتحول إلى طفلة صغيرة بألوان قوس الله.. وتكون مشرقة مدهشة كدهشة القوس في السماء.. وانعكاساته في عينيها، وضحكاتها وقفزها في كلّ مرة تصطاد غيمة في تشكل مبهر جديد، وتظل الصور والمشاهد تتابعُ فيتتابعُ قفزُ الفراشِ في حركاتها وإيماءاتها، وتلوَنُ الضوءِ وانكساراتِهِ على خدّيها. هذه الصور لا تشيخ، ولا تغادر الذاكرة. أوَ ليس من الجميل في هذا العالم المولع بالحروب، ومع هؤلاء البشر المولعين بالقتل والشرّ والكفر كأن لم تتنزل عليهم كتب السماء، أنْ يعود المرء لطفولته، وبراءته الأولى، أوْ أنْ يترك مجالاً للآخرين كي يعيشوا طفولتهم، وأنْ يكتشف كنوز جمالهم، فيتحول هو إلى جزء من هذا الجمال، ويغسل ما اعترى روحه من كمَد وقلق وخوف تحاصره به قوى الشرّ التي لا ترتوي من سفك الدماء، ولا تكتفي من قتل الحيوات، وحرق الأخضر واليابس، ونشر الرعب والقبح والسواد على هذه الكرة الزرقاء. والسحاب يمطر الخير، وشياطين الإنس تمطر القنابل الحارقة والمشعّة، ويمطرون الأبرياء بوابل من الرصاص القاتل.
والسحاب كنوز الأرض تُفتح في السماء، وهو قطن حقولها، ومختبر الرياح وأجنحتها، ودعاء العطشى، والعشاق الطامعين بوصل، وهو وصف الحبيبة، والكريم، ووجه الحليم راضياً، وساعة الغضب.
والسحاب اسمٌ لمجموعة من الأفعال التي لا تتوقف صاعدةً هابطة، فهو دورة حياة، وحياةُ دائرين وديّارين. والله يثير ويزجي السحاب، ويبسطه في السماء كيف يشاء، ويؤلف بينه، ويجعله كسفاً وركاماً فوَدْقاً ليكون صيّباً وماء ثجّاجاً، فتهتزّ الأرض وتربو، فتُنبتُ من كل زوجٍ بهيج، ثم يعيد الكرة ويعود إلى السماء سحاباً خفافاً خاليات من الرعد للأحبة، وثقالاً للأرض، وصبر المواسم والشهور.
ونحن ندعو الله كلما شنّ الأعداء حرباً علينا أو غارةً، أن يرزق أهلنا سحاباً خفافاً، ثقالاً على الأعداء لتسقط غربان الحقد والدمار، بل نحن نطلبه كل حين أن يصيبهم بعارضٍ يتوهمون أنه ممطرهم.
والسحابُ يبكي، فتفيض دموع الغمامة، فيضحك في عيوننا الزهر.
والسحابةُ تشنّ، وشنّها خيرٌ ومطر. وهي أنثى بمفردها فهي غيمةٌ ومزنةٌ ومعصر، وفي جمعها فهنّ المعصرات.
وقد وجد المبدعون فيه عبر الحضارات غذاءً لأرواحهم المرهفة المتعطشة للخير والجمال، فكرسوا ما فيه من خير وجمال، وكان مادة دسمة لإنتاجهم وتجلياتهم، بحيث يندر أن نجد نتاجاً عبر سير المبدعين يخلو من جماليات السحاب، وتجليات المطر، شعراء وروائيين وتشكيليين ومغنين.. وها هو الفنان البلجيكي رينيه ماجريت يختزل المعنى في لوحته الشهيرة: La corde sensible
ويضع السحابة في كأس،فتتعدد قراءاتنا، ويسكب كلٌّ منا لنفسه ماءً زلالاً من رحيق الوعي والحياة والفن!!
- التفاصيل
- الزيارات: 2799
الذين يتهمون الناس بالموت، أو يصفونهم به، هم في الواقع قتلة مجردون من جمال الروح، وجمال القيمة والمعنى، وهم تماماً مثل الذين يمنعون الحياة، ويمنعون أن يكون لها معنى، وهو مشهد يتكرر سواء على نطاق الأسرة، أو المجتمعات، أو الدول.
والجمال اسم وحالة وشعور، وهو عنوان يدل على الغنى مضموناً، أو شكلاً، أو شكلاً ومضموناً وهنا اكتماله. وهو من ناحية الفعل مهمة إنسانية راقية، من حيث طلبه، وتلمسه، والبحث عنه، واكتشافه، وتجسيده، ونشره، ونثره على الناس كالورد، كونه ضرورة كسباً ومنحاً. والحروب، عكس الفتوح، يسعى مسعّروها، أول ما يسعون إلى قتل الجمال: جمال المكان، وجمال البشر.. أي القضاء على جمال الإنسان، وليس هزيمته فحسب، بل كسر روحه. فهم يدمرون الحضارة والقيم، ويكسرون روح الانتماء، والمواطنة لدى من يحتلون، ويستعمرون. ومع الاستعمار الجديد ازدادت وتيرة التدمير، ولم يعد المستعمر يعمر أي شيء، مهما ادعى ذلك، بل إن التاريخ، قديمه وحديثه، يسجل للمستعمرين أكبر عمليات إبادة، وتدمير، ونهب، وتشويه، وتعطيل، ونقض للبنى الاجتماعية والروحية، وسرقة للآثار ومدونات الحضارة. وقد لمسنا ذلك في العراق، وما زلنا نفجع كل يوم من نتائج ذلك، كذلك الحال في ليبيا حيث تتفجر الكراهية والحقد والتصفيات، ويصبح القبح سيداً، ويصبح القتل تحية العابرين.
وما عملية إعادة الإعمار، وإشاعة الثقافة الجديدة إلا لعبة سياسية، تغطي نهم الشركات العابرة للقارات، والسرقات الكبرى التي يقوم بها المحتل وممثلوه، والمستفيدون من وجوده من تجار الحروب، في أقبح عملية نصب وتزوير علني، تفضحها الوقائع والبراهين مهما تحجبت بالكلام السياسي المنمق المعسول.
إذاً هدف المستعمر هو تشويه الجمال الذي تتمتع به أية حضارة، أو وطن، بل هو يحرص دائماً على التقليل من قيمة هذا الذي يغزوه، وتشويهه، وتقديمه في أبشع صورة ليبرر أنه المنقذ الذي جاء ليخلص البشرية من هذا القبح، أو أنه جاء ليرسيَ جماله هو على حطام هذا التخلف عبر إرساء الديمقراطية والحرية والانفتاح، وكل هذا محض سراب، وكذب، وزيف. ومن هنا كثر استخدام مفردات تنمي عن أفعال لها صلة بالقتل كالفوضى الخلاقة، والاجتثاث، والتغيير، بل يذهب المستعمر الجديد إلى مفردات لا مواربة فيها: كالقتل، والتصفية، وهو ما يفعله في النهاية، بعد عملية تهيئةٍ للرأي العام العالمي قد تستغرق سنوات، وقد تتم في غضون أشهر قليلة، يكون فيها قد استخدم كل أنواع أسلحته، لتدمير وحرق الأرض استعداداً لتهيئة الملعب للاعبين الكبار.
وهنا لا يهم، ولا أحد في الحقيقة يهتم، كم عدد المدنيين الذين سيقتلون ويبادون ويختفي أثرهم، والرقم في حدود المليون شخص، رقم مقبول حسب الساسة الغربيين، وهو ما قالته بصراحة لا نظير لها، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة اليهودية مادلين أولبرايت في مقابلة لها، كثمن مقبول لإرساء ديمقراطيتها المزعومة في العراق.
وعلى ذكر اليهود، فقد قام صهاينتهم، بتشويه صورة الفلسطيني، والعربي عبر العالم، فكان الرد الأكثر جدارة ونجاحاً، هو تعميق الثقافي، والعمل عليه بالنسبة لنا.. وهو ما آتى أكله، واتضح عبر قبول عضوية فلسطين في منظمة اليونسكو.. فالواقع يثبت جدارة الثقافة الفلسطينية العربية بذلك منذ أزمان، ولم يقف ضد هذا الجمال الحضاري سوى إسرائيل وأمريكا.. وهما أكثر دولتين في العالم تشنان الحروب على العالم، ولا عجب فإسرائيل ربما تكون الدولة الوحيدة في العالم التي تتبنى الإفساد في الأرض كآيديولوجيا: فهي تمارس كل فعل قاتل ممكن ضد الشجر والحجر والبشر: ومن ذلك الاحتلال، وشن الحروب، والقتل، والأسر، والتدمير، وجرف الأشجار، وتجريف التربة، ووضع العراقيل والأسوار.. ولدينا في لبنان خير دليل، بعد فلسطين الضحية الأولى بالطبع.
لكن لموضوع الجمال أبعاد أخرى، وجلادون وضحايا آخرون، على صعيد المجتمعات والبلدان، سواء أكانت محتلةً مغلوبة على أمرها، أم محتلة وغاصبة.
فالتركيز على المناحي الجمالية ليس مطلباً فحسب، بل قيمةٌ عليا وضرورةٌ قصوى، يعززها التمسك بالقيم والهوية، وزرع ذلك في شخصية الإنسان منذ الطفولة، ليكون لدينا جيلٌ قادرٌ على هزيمة مشعلي الحروب الجديدة على الأرض أم عبر فضاء الإعلام والتقنية.
وفي الحالة الفلسطينية أكبر درس ودليل على أن المقاومة ليست فعلاً عسكرياً فحسب، بل هي فعل جماليّ وثقافيّ وحضاريّ بشكل عام. وقد احترت في عنوان هذا المقال: أيكون الجمال والقبح، أم القبح والجمال، وبدا لي الأخير مقنعاً، كون الحروب الكريهة القبيحة بداية كل شر، وأملاً في أنْ يمحوَ الجمالُ القبحَ، وأنْ يكون نهاية كلّ شيء، وأمْر، وبداية جديدة لكل ما ينمو من شجر معرفة وحضارة من رماد الحروب المفروضة على العالم.