أعراف
- التفاصيل
- الزيارات: 1714
1.
مالَ العارفُ وهو يردّدُ:
ما بعثَ الجدْبَ
وأوقفَ جريانَ السيْل؟!
ردّت دقاتُ القلبِ المرهفِ:
النسوةُ..
يُمطرْنَ دموعاً وعويلاً
في جوفِ الليل.
2.
يا هذي الطفلة كُفّي
من علمّكِ اللعبَ على القلبِ،
القسوةَ يا رقةَ كفٍّ
تأليبَ الحرفِ على الحرْفِ
الأنثى كاملةً في تيهِ السحرِ
أم القلبُ الطفلُ الأصغرُ من كَفّي؟!
3.
تحبّهُ..
لكنّ قلبها الخجول
كالقطا في سربِهِ.
يقولُ للمرآةِ
وهي ترفعُ السوادَ عن نعيمِ وجهِها
يا قلبها الصغير، قلبها:
- أنا لا..
أنا لا أحِبّهُ.
ووجهها المضيءُ في تلفّتِ الحياءِ، كالعناد:
يقولُ كمْ أحبّهُ..
ما أجملَ القطا في حبّهِ.
4.
النخلةُ صارتْ طفلةُ
والطفلةُ كانتْ نخلةْ.
اختلطَ المعنى
ما بين الرؤيةِ والرؤيا
واكتظّ الثمرُ، وكان القاصدُ بالخيرِ المستثنى
فاشتدّتْ حيرتُها المقْلَةْ.
5.
تحبّني سألتْ
فقال القلبُ: ما..
لكنْ أبوسُ الأرضَ تحتكِ.. والسّما
هل كانَ يقصدُ:
ما لهذا القلب غيركِ يا صبيّة
أمْ كان يقصدُ مثل طفلٍ
قدْ تلعثم واحتمَى:
القلبُ قلبُك إنّما
تأبى الحروفُ تكلّما
يا ماء قلبي
بحْت..
لكنّي أخافُ مِنَ الدّمَا.
- التفاصيل
- الزيارات: 2269
نخلٌ وزيتُون
كانتْ زيتونةُ أرضِ اللهِ مباركةً
قالتْ وهيَ تصلِّي
والعينُ على طيبةَ
والقِبلةُ مكةُ
يا نخلَ اللهِ سلاماً
جَفَّتْ أغصانِي.
الوحْشُ يدمّرُ بُنيَانِي.
- التفاصيل
- الزيارات: 2326
قد يقسو الشعراء على الأوطان وقد تقسو عليهم، وبين
حُبّين يرتحلون، ويغتربون، ويألمون، ويتمزّقون، ويكتئبون،
ويُدمّرون، ويبحثون في العمر عن
موانئ، وخلاصٍ، وخلان، ومكانةٍ، ومكان. وهم يصلون
ويضيعون، ويشيخون، وينتفضون، ويخرجون من الرماد،
أو يموتون غرباء، ويعتلّون، ويفعلون
الذي يعجز عن فعله الآخرون، ولكنهم في كل ذلك
عاشقون مدنفون كلفون، نابضون بالحب، مقتولون به.
وهم وإن سعوا في مناكبها، جنتها ونعيمها، وإن اغتربوا
في دواخلهم، أو في منافيها، أو غُرّبوا لا يفتأون
يرددون:
بلادي وإن جارت عليّ عزيزةٌ وأهلي وإن ضنّوا
علي كرامُ
وبين رحلات التيه والجدب والشموس الحارقة،
واستثناءات المطر والواحات العابرة بين اليأس والموت
والأمل والرجاء، بين الأمان القلق والخوف
الغامض، بين الشك واليقين، بين المتناقضات والحوادث
الجسام، الدم والحناء والشهد، بين كل ذلك يـبقى
الشعراء الحقيقيون أوفياء لشعرهم وأوطانهم
ورسالتهم وهمهم وتوقهم.
ويبقى لنا منهم سواء شاركونا المشية، أم ألقوا عصا
المسافر، عاشوا أم ماتوا، اغتنوا أم لازموا الكفاف ..
يبقى الشعر، دفء الشعر، وهج الشعر
ويبقى الحب هذا الذي قادهم بين صرختي الميلاد والنعي..
هذا الذي عرّفهم على أوطانهم كما لم يعرفها أحد، وأبكاهم على أهلهم كما لم يبك أحد..
وجعلهم يعترفون كالأطفال: ( أما أنا فخذوني بطيبة قلبي/ فالمحبة طيبة القلب/ وزمان المحبين جدُّ قصير) كما لدى يوسف الصائغ لأن: ( ما تبقى هو
الحب هذا رهاني الأخير).
هكذا كنت أحدث نفسي، أتساءل وأجيب، وأنا أتصفح بحب ديوان الشاعر السوداني الكبير محمد المكّي إبراهيم ( بعض الرحيق أنا والبرتقالة أنتِ
)..
هكذا كنت السادسةَ من صباح الخميس، حيث للقراءة والكتابة والبحث صفاءٌ لا يعرفه إلا أصحاب الصفاء والقراءة والأسئلة.
وأصحاب الأوطان وهي تنادي متفتّحة على الجراح والورود.
فهل جربتم قراءات الصباح الأولى، وكتابات الصباح الأول؟!
هل دعوتم الذاكرة أم دعتكم إلى قهوة مرّةٍ، وضوءٍ كريم؟!
هكذا دعاني محمد المكّي إبراهيم إلى ( طفلة المدائن ) إلى الخرطوم، وإلى البرتقالة، والرحيق، والشعر الخالص، والنبع الصافي، والحب الذي حافظ
على حرقته بعد كل السنين، وكل الأنين، وكل الرياح، وكل الجراح.
هكذا استطاع الكبير أن يجعل من الخرطوم القاهرة ودمشقَ وبغداد وصنعاء والرياض وعمّان..
هكذا استطاع أن يجعلنا نربط الحزام بجواره في الطائرة المسافرة أبداً إلى الخرطوم.. إلى الوطن.. إلى الأوطان، تلك التي وإن لم نغادر وإن لم نقم
ولم نقف، سافرت فينا.
تلك التي علمتنا:
" هو الله قل لا إله سوى الله
والموت حق
وشوقي لعينيك حق
وكوني أضعتك
بين الأباطيل أكثرها خسة ونزق.
لكوني فقدتك في غمرةٍ من ذهول
وفي شبق مستحيل
وفي غضب مسترق
وأني جحدتُ بذلك آلاء ربي
فحولني فتلةً في الرياح
وثرثرةً في الصخب.."
هكذا إذا دعاني السوداني العريق إلى أن أترك الواجهات للواجهات، والأضواء للأضواء واللامعين، وأن أبحث عن الشعر في الشوارع الخلفية، وفي
الحقول النائية.
أن أبحث مع الصبح الأول عن شجر الشعر، وفاكهة الشعر..
وأن أحيلكم إلى شعرٍ يحيلكم إلى وطنٍ يحيلكم إلى عزةٍ وبهاء.. ووعدٍ ورجاء.
نستطيع القول هنا إن الشعر السوداني بشكل عام يمثل مفردة الشعر خير تمثيل، لنعلن بعد ذلك وقوفاً: إن هذا والله لشعر.
وهو شعر يملأ الروح والقلب من أول قراءة أو سماع، ومعه لا تحتاج إلى مُعينين من ضواحي ( بارت)، ولا من الشوارع الخلفية لما بعد الحداثة!!
إنه شعر خالص قُدّ من الروح، وهو غناءٌ دافئٌ ، وماء أنهارٍ وحضاراتٍ تستطيعُ أن تتلمّسَ صورة وجهك فيه، وهو شعر متعة ومعرفة لا شعر ألعاب
لغوية، وهو شعر قضية وتاريخ ووطن.
وشعر إيمانٍ، ونقاءٍ، وحبٍّ عالٍ جارفٍ صادق.
وإذا كان بإمكاننا أن نصِفَ الشعر بالقوة فإنه من السهل علينا هنا أن نؤكد بشدةٍ على أنه شعر قوي .
ولقد تعمّدت عندما اغترفت من ينابيع الذاكرة شعر محمد المكي إبراهيم نموذجاً ، لمعرفتي بتواجد الفيتوري ومحمد فهمي سند أمثلةً مضيئةً ، ولكنها
حاجبةً لنورٍ يتلألأ من نجوم أُخرى كثيرة تملأ سماء الإبداع في السودان، كما هو الحال مع الأديب الكبير والطيب الطيب صالح.
والحقيقة، ولكي أرتقي إلى طيبة الأهل في السودان، أُصحّح فأقول: إن الذي شدني من شرودي في المكتبة هو هذا الديوان الصغير الكبير ( بعض
الرحيق أنا، والبرتقالة أنت ) بينما أنا أبحث عن ( التضاريس ) الثبيتية لأهديها لطارقٍ من البكيرية في القصيم .. فاستعدت ذلك الصباح الأليف
الذي ابتعت فيه الديوان الصادر عن دار التأليف والنشر– جامعة الخرطوم عام 1976 م في طبعته الأولى. وذلك المساء الذي دعاني فيه الشاعر
الكبير لمشاركته رحلة الغربة والعودة التي يعيشها الشعراء حلّوا أم ارتحلوا.
وكم كان كريماً حينما حجز لي مقعداً بجواره على الطائرة العائدة إلى الوطن.. والتي ربما كانت قادمةً من الجزائر.. عبر القاهرة في رحيله إلى طفلة
المدائن:
" طول ليلتنا في أزيز المحرّك والطائرة
كان محيّاك يبدو لعيني
فيختلج النوم بين الحقائب والانتظار
ويُفتح باب من الوصل
كالجذب عند صغار الدراويش
أو كالتواصل بين الكبارِ
فأبصر أشجارك الجاثمَةْ
وأسمعُ أنفاسك النائمَةْ
ولغو الأحباء من كل دار
وأشعر أن يديَّ تغوصان
بين جدائلك المرسلةْ
وعينيَّ تمتلئان
بألوانك المستهيجة والذابلةْ
ثمّ أرجعُ ألقاك واقفةً في المطار
طفلةً في المدائن ، سيدةً في القرى
يغضب الصيفُ فيها
وتجلدها الشمس كالزّاجرة
ثم تأتي الأماسي ساعيةً بالنسيمِ
الخفيفِ تطيّب خاطرها
وتمسّح عن وجنتيها الغبار ."
وقبل الوصول: ( تطلّين كالطفلِ/ يسبل جفنيه في نصف إغماضةٍ/ وينام/ وكالطفلِ بين المدائنِ/ يدفعك النيلُ ما بين كفّين حانيتين/ وكالطفلِ بين
المدائنِ/ رحتِ تلوحين/ قدّام عينين بالدمع والحبِّ مغرورقين )
( وعبر ذهولِ الوصول.. لخرطومَ تنهضُ من نومها.. تستفيقُ/ أحسّ بأن العيون الكبيرة/ سوف تزاحمنا من جميع النواحي/ وتأخذنا في الطريق/
وأنّ إساراً من الحبِّ/ يبدأ من حيث لم ينتهِ.)
هذا العشق النازف ، والحب الآسر ، والبوح الكاسر ، هو الشعر والشاعر ، وهو المنزلة العليا .
ولا بد لنا أن نلحظ ذلك الإيمان العميق الذي يغسل الشاعر بالنور، وشعره بصدق وعفوية، ودفء لا مثيل له، كما ذكرناه في ( كذلك نفتح الحزن ):
( هو الله - قل لا إله سوى الله/ والموت حق/ وشوقي لعينيك حق -وكوني أضعتك/ بين الأباطيل أكثرها خسة ونزق/ لكوني فقدتك في غمرةٍ من
ذهول/ وفي شبق مستحيل/ وفي غضب مسترق/ واني جحدت بذلك آلاء ربي.. )
وذلك يتأتى بدون اصطناع ، أو مباشرة ، كونه يأتي من الداخل الثريّ:
( الله يا خلاسيّة/ يا حانةً مفروشةً بالرمل/ يا مكحولة العينين/ يا مجدولةً من شعر أغنيّة/ يا وردةً باللونِ مسقيّة/ بعض الرحيق أنا/ والبرتقالة أنتِ/
يا مملوءة الساقينِ أطفالاً خلاسيين/ يا بعض زنجيّة/ وبعض عربيّة/ وبعض أقوالي أمام الله.).
الداخل الممتلئ بالإيمان والحب والوجد والعشـق لوطـنٍ فطر قلبَ الشاعرِ/ وشَفَاه..
الله الله.
- التفاصيل
- الزيارات: 1515
وبي حرقةٌ مُرَّةٌ
والليالي طِوَالْ.
وحِمْلي ثقيلٌ..
ألا ما أخفَّ الجِبَالْ!