خَلْفَ فَاصِلةٍ يَرْتَمِي قَاتِلِي

 

قَادِمٌ مِنْ بَعيدْ.

بِرْكَةُ الوَقْتِ هَادِئةٌ

ثُمَّ،

تَرْمَينَ بِي حَجَرَاً،

بِرْكةُ الوَقْتِ مَاثِلةٌ للدَّوائِرِ

والقَاعُ يَمْتَصُّنِي.

سَابِحٌ نَحوَهُ،

سَاكِنٌ لا أَحِيدْ.


وسَارِحةٌ أنْتِ مِثْلُ الدَّوائرِ،

لمْ تَتركِي أَثرَا

سَاكِنٌ شَجَرا،

سَاكِنٌ وسَعِيدْ.

 

للْمَدينةِ بَابٌ،

لعَيْنيكِ بَوَّابَتانِ

تُشَكِّلُني أُطُرَا

إنْ دَخَلْتُ سَـكَنْتُ،

وإمَّا تَوَقَّفـْتُ كانَ الزَّمانُ أمَامِي:

أُصَيِّرهُ زَوْرَقاً،

ثُمَّ أُبْحِرُ في هَدْأةٍ

إنْ بَدَا لِي رَجَعْتُ،

وإنْ شِئْتُ أوْغَلْتُ،

أوْ شِئْتُ صَيَّرْتهُ مَطَرَا.

 

مَاذا

لوْ أنِّي

أَتيْتُ

إليكِ

على عَجَلٍ،

مَطَرا..

ثُمَّ أَلْبَسْتُكِ العِيدَ،

أوْ جِئتُ مُسْتَتِرا

كيْ ألُفَّكِ لَفَّ الهَواءِ،

وأَسْكُنَ مِنْكِ الدَّمَ الحَذِرَا.

 

أيْنَمَا كُنْتُ،

أوْ كيْفَمَا صِرْتُ،

لا شَيءَ يَحْجُبُنِي عَنْكِ.

مُنْجَذِبٌ نحوَ عَيْنيكِ.

لي الماءُ،

وَالغَرَقُ المُسْتَحَبُّ،

وهذَا السُّكُونُ الفَريدْ.

 

 

لمْ تَنمْ ليلتِي.

الرِّفاقُ تَخَلَوْا عَنِ القَولِ،

واجْتمَعُوا خلْفَ فَاصِلةٍ.

كانَ لا بدَّ لِي أنْ أنامَ،

وكانتْ يَداكِ عَلى تَعَبِي

تَرْقُبانِ الهوَاءَ

               إلى حيْثُ يَفْتَرِقُ الشَّارِعَانْ.

 

مَرَّةً في الفَراغِ رَأوْا بَارِحاً،

قالَ أوَّلُهمْ: إنَّهُ نهْرٌ.

قالَ مَنْ كانَ مُسْتَسْلِمَاً: إنَّهُ دهْرٌ.

قالَ ثَالثُهُمْ: إنَّهُ وَهْمٌ.

حيثُ يفترِقُ الشَّارِعانْ.

 

 

تَشْرَبينَ مَعِي المَاءَ

قَطَّرْتُ أَوْرِدَتي،

وَسَقيْتُ دَمِي،

ليلةً.. صِحْتُ إنَّ الَّذِي يَرْتمِي

خلْفَ فاصِلةٍ قاتلِي.

ووهَبْتُ لهمْ آخرَ القَطَراتِ

ووَدَّعْتُهمْ بالسَّلامْ.

 

 

مَعِي المَاءُ

هلْ تَشْربينَ..؟

أُعَانِقُهُم وَاحِداً وَاحِداً،

وَاحِداً،

وَاحِداً،

خلفَ فاصِلةٍ

كانَ ظهْرِي إلى البَابِ

عَيناكِ مُتْعَبتَانِ

مَعِي المَاءُ،

لا بُدَّ أنَّكِ عَطْشَى

ولا بُدَّ لِي أنْ أنَامْ..!

 

 

 

الصَّباحُ طَرِيٌّ،

وأنْتِ مُهَادِنةٌ.

لمْ أشَأْ أنْ أُفيقَ البَنَفْسَجَ،

مُسْتَسْلِمٌ لانْهِمارِ النَّوافِيرِ يَجْتاحُني

والنَّدى يُوقِظُ الوَقْتَ،

عَيناكِ مُغْمَضَتانِ على تَعَبِي..

لَمْ أشَأْ أنْ أُفِيقْ.

البَنفْسَجُ مُرْتَهَنٌ

والصَّباحُ رَقِيقٌ.. رَقِيقْ.

 

كَمْ صَباحٍ سَيَأتي..؟

كَمْ سَيَمُرُّ..؟

وكَمْ نَتذَكَّرُ..؟

عَيناكِ مُغْمَضَتانِ

النَّدَى يُوقِظُ الوَقْتَ،

عَيْناكِ تَضْطَرِبَانِ
البَنفْسَجُ يَنسَلُّ فِي لحْظَةٍ:

 

 طَائِرَانِ لنَا الصَّحْوُ،

قَبَّلتُها عَنْ زَمانٍ مَضَى

عَنْ زمَانٍ يَجِيءُ.

         وقَبَّلتُها زَمَنِي

         كنْتُ أُمْسِكُ بِالوقتِ فِي قُبْلةٍ،

         وأفُكُّ يَدي

         لأقبِّلَ ثانِيَةً.

         لمْ يكُنْ بيْنَنا غيْرُ هذَا الصَّباحِ

         النَّدَى يَطْرُقُ الوَقتَ.. قَبَّلتُها.

 لحْظَةٌ

هَا أنَا مُمْسِكٌ بيَدَيْكِ،

وهَا أنْتِ لمْ تبْرَحِي

والصَّباحُ طَرِيٌّ

وعَيْناكِ مُغـْمَضَتانْ.

...

الرِّفاقُ تَخَلَّوْا..!





الرياض/ 86