سَطْوَةُ النُّبَلاء

 

وأعْرِفُ أوْرِدَتِي لا تُقِيلُ الضُّحَى،

ولا تَفْرُشُ اللَّيلَ للعَابِرينَ جُفُوناً مِنَ الغَيْمِ فَارِهةً

غيْرَ أنَّ الحقيقةَ مُغْريةٌ

والأرائِكَ شَاغِرةٌ،

فاجْلسِوا غيْرَ مُرْتَهنينَ إلى شَاهِدٍ في دَمِي،
واحْتَسُوا كُلَّ مَا طَابَ مِنْ ثَمَرٍ عَتَّقَتْهُ العُرُوقُ،
ومِنْ كَرْمِيَ الطَّائفِيِّ البَسُوا سَطوَةَ النُّبلاءِ،
وحينَ أُفَاجِئُكمْ بالحَديثِ احْبِسُوا طَرَفَ العَينِ

واحْتَرِسُوا مِنْ زمانٍ مُشَاعٍ كرَاسِيُّهُ لا تَدومُ، وحُرَّاسُهُ،

وإنْ أعْجَبَتْكمْ مَلابِسُهُمْ طَيِّعُونَ لِمَنْ يَشْترِي

طَيِّعُونَ لِمَنْ يُحْسِنُ الاخْتِفاءْ..!

 

 

أُفَاجِئُكُمْ..

لا أبيعُ القَصَائدَ،

لا أشْتَري،

ليسَ عِندي سِوَايَ

ونَافِذةٌ كنتُ أُشْرِعُهَا للهَواءِ ـ وأكْذِبُ ـ لا لِلْهَواءِ،

ولكنْ لأُرسُمَ فِي ضَوْئِها صُوراً ليسَ يَقرؤها الآخَرُونَ

وأكذِبُ إنْ قُلتُ مَا مِنْ أحَدْ.

فالظَّهيرَةُ مُكْتَظَّةٌ،

والمَدائِنُ غَرْقَى،

ووَجْهُكِ فِي كلِّ ما يَتَشَظَّى مِنَ الماءِ،

فِي طَرَفِ البَابِ،

فِي الأرْضِ مَقْطوفةً وَهْيَ تَصْرُخُ

لا أحَدٌ غيْرُ وَجْهكِ فِي كُلِّ ما يَدَّعيهِ المسَاءْ.


أُفاجِئُكمْ..

حِينَ أنقلُ كلَّ الَّذي تَعْرِفونَ إلى دَمِها.

كُلَّ ما تَجْهلونَ إلى دَمِهَا.

كُلَّ أطْفَاليَ الخَائِفينَ، دَفَاتِرَهُمْ،
حينَ أحْرُسُهمْ مِنْ عِصِيِّ الزَّمَانِ

فأُدْخِلُهُمْ دَمَهَا:

حُرَّةٌ تطْلعُ الشَّمسُ لاهَثِةً إذْ تُلاحِظُ أنَّ النَّهارَ ابْتَدا بَاكِراً دُونَها،

والحَياةُ بِلا لَوْنِهَا مُرَّةٌ

والصَّحارِي دِمَاءْ..!

 

أُفَاجِئُكمْ..

لا يَغُرَّنكُمْ تَعَبِي،

لا يَغُرَّنكُمْ ألَقُ الشِّعْرِ حينَ يُحاصِرُكُمْ فِي الزَّوايا..!

ولكنَّهُ دُونَ مَنْ عَقَصَتْ عُمْرَهَا واسْتدارَتْ.

كَأنَّ اللَّيَالِي الَّتي عَذَّبَتهَا طَويلاً مَرَايَا،

 كَأنَّ ارْتبَاكاتِ مَنْ قَتَلُوهَا احْتِفَاءْ.

 

أُفَاجِئُكمْ..

حِينَ أشْبُكُ مَنْديلَهَا فَوْقَ قَلبِي،

وَتَقْبَلُنِي

دونَ أنْ تَقْتُلَ الأبرياءْ..!

 

أُفَاجِئُكمْ..

حِينَ أهْرُبُ مِنْ مالِكُمْ ليَدَيْهَا،

ومِنْ تَعَبِي

لحُروفِ الهِجَاءْ..!

 

أُفَاجِئُكمْ..

حِينَ أقْتُلكُمْ بِحَديثِي.

فَيَصْطَفُّ جُنْدٌ،

وَيْأتَلِفُ النَّاقِمُونَ،

وبَاعَةُ أحْذِيةِ الكَلِمَاتْ.

وتُجَّارُ دُورِ الصَّحَافةِ

أُفْجَعُكُمْ،

حِينَ أنْسَلُّ كَالضَّوْءِ منْ بيْنِ أعْيُنِكُمْ.

سَيْفُهَا فِي دَمِي

وَاشْتعَالاتُها جَسَدَي..

واحِدٌ دَمُهَا والطُّفُولةُ،

واحِدةٌ سَطْوَةُ النُّبَلاءْ..!

 

 


*اللوحة للفنان ضياء عزاوي