الشاعرالعربي..! 

مسكينٌ هو الشاعرُ الذي يريدُ منه الناسُ: أن يكون فقيراً وهم يغتنون ليتغنوا بالفقر، ومناضلاً لكي يتغنّوا بالبطولات، وسجيناً لكي يلوّنوا الأحاديث، ومريضاً لكي يجدوا للورد منزلاً، وميتاً لكي يقولوا  "لقد كان منّا وكان لنا"، ميتاً لكي يتذكروه.


مسكينٌ هذا الشاعر العربي الذي يُحاكم من رجل الشارع لأنّه لم يغنّ أغنيته المفضّلة، ولم يَمسح عرَقهُ، ولم ينزِلْ إلى مستوى لغتِه وخيالِه.

ويُحاكم من الناقد لأنّه نزل إلى الشارع ولم يصعدْ إلى علياءِ النخب، وأبراجِها، ويحاكمُ من السلطات لأنّه لم يكنْ طيّعاً، ويحاكمُ من الحبيبةِ لأنه لم يروِ عطشَ عينيها، ومسامعِها، ويحاكم من القبيلةِ لأنّه لم يمجّدْ سلالاتها النادرة، ويحاكمُ من صاحب العقار، والبقّال، وضجة الهاتف وعتمة الكهرباء، والحياة، كلّ الحياة، لأنّه لم يدفعْ فواتيرَه المكدّسة.

 

ومسكينٌ هو الشاعر حين يحاكَمُ من التياراتِ لأنّه لم يمشِ على أهوائها، وتقلّباتها، ويحاكمُ من الصحفيّ والمذيع والمطبوعة لأنه لم يضعْ أسئلةً، ويجب عليها، ثم يحاسب إن طلبَ أجراً على تعب الكلام.


ومسكينٌ هو الشاعرُ الذي يريدُ منه الناس أنْ يُقاتِل عنهم، وأنْ يتغزّل عنهم، وأنْ يقفَ في أولِ الطابورِ عنهم.


هذا الشاعر المسكين لا يسلمُ من شيْ..

فهو إن أحبّ وطنه قالوا: سلطويْ، وإن بثّ نور إيمانه قالوا: إسلاموي، وإن انحاز للفقراء وخبزهم: قالوا شيوعي، وإنْ تغنّى بعروبته قالوا: قوميٌّ بعثيْ، وإن التزم الصمت قالوا: انهزاميْ.

 

هذا المسكينُ الشاعرُ إنْ أتعبَ نفسَه قالوا: ما لنا نراك في كل حيْ؟!
وإنْ توقف للراحةِ قالوا: انتهى.
وإنْ عاد قالوا: لمْ يأتِ بجديد.
وإنْ سقط عن الجواد صاحوا: سلِم الجواد!
هذا المسكينُ متّهمٌ إن اغتنى..
وملعونٌ إنْ خالطَ الفقرُ عشاءَه الأخير!