صباحٌ له لون صفائك وبهائك وحضورك الوقور العالي والقريب، وله عطر حبيبتك صنعاء، وجمال بلقيس، وروح المدينة المنوّرة، وعزّة الجبال، وكرم الغمام، وقبول السفوح والسهول.
صباحٌ كله صنعاء القصيدة كما ترى والتي:
" كانت امرأةً/ هبطت في ثياب الندى / ثم صارت مدينة."،
وصنعاء العاصمة:
"هي عاصمةُ الروح
أبوابها سبعةٌ
- والفراديسُ أبوابُها سبعةٌ-
كل بابٍ يحقق أمنيةً للغريب
ومن أيِّ بابٍ دخلتَ
سلامٌ عليك
سلامٌ على بلدةٍ
طيّبُ ماؤها طيبٌ
في الشتاءات صحوٌ أليفُ
وفي الصيفِ قيظٌ خفيفُ
على وابل الضوء تصحو
وتخرج من غسقِ الوقت سيدةً في اكتمالِ الأنوثةِ
هل هطلت من كتاب الأساطيرِ؟
أم طلعت من غنــاءِ البنفسـجِ؟
أم حملتها المواويلُ من نبعِ حلمِ قديم؟!"
صباحٌ لا يشبه إلا نهوضك من الحلم النبيل إلى الواقع الأنبل الذي عشت عمرك تشذّب أشجاره، وتحنو على ألوان الطفـولة في ساحاته ونواحيه، وتسقي بماء القصائد مدنه وضواحيه.
صباحـك صباحنا الذي عودنـاك على القـلق فيه بأسئلتنا وضجيجنا، وعودتنا فيه على هدوء العارف، وتواضع العالمِ الكبير، وبسمة المـؤمن السعيد، فـيا سيدي لا تلم، فقد تكـأكأنا علـيك أن رأيـنا فيك ( الإيمان يمان والحكمة يمانية).
ويا أيها الكبير لا تحزن إن سألناك ماذا فعلت بنا؟!
وما هذا الذي حملت عنا؟!
ومن أين أتيت بكل هذا الجمال والجلال لتحتوينا – لا كما يفعل الحواة وآسِرو الجمال، بل كما يفعل القادرون على التمام-؟!
كيف استطعت لم شملنا، نحن الذين فرّقَنا الاستعمارُ بأيدينا؟!
كيف اجتمعنا على وِردك، ومعينك اليمني الطاهر؟!
كيف نهلنا وعللنا ونسينا كعادتنا أن نقبّل صفحة الماء؟!
واليوم وأنت الفارس* بعيون أوروبا وحضور باريس الطاغي
كيف لو كنت فارسنا وجوادنا العربي الأصيل؟!
وأنت أنت كذلك، وأهلٌ لذلك
كيف لو كنا صهيلك واحتفاء الشمس بك؟!
فماذا أنت فاعلُ أيها الكبير؟!
ليس لك إلا أن تصفح عنا وعنهم كما فعلت عبر السنين..
ليس لك إلا أن ترضى بنا وبهم
قساةً وإن أحبوا.. سلكوا دروب النكران، وشوارع النسيان ولم يعودوا..
لم تعلمهم العواصم، ولا الثقافة، معنى التواضع، وما علمتهم ورود الشكر، وسنابل العرفان.
هكذا هو الإنسان ما أكفره!!
وهكذا هي الأوطان يا مبدعنا نحبها وتقتلنا..
فما ذنبنا إذا كان الشفاء في أكف سهولها وقامات جبالها؟!
وما ذنبنا إن كانت الداء والدواء..
ثم تجاوزتْ فأصبحت الخصم والحكم؟!
ما ذنبنا ونحن قد كتمنا حبها وادعته الأمم، نحن الذين حين أحرقنا الحب لم نلعن الدرب، وإنما كان عتابنا مِقَة، وبوحنا زلالاً للقلوب العابرة العطشى والصابرة.
أيها المقالح العظيم: السلام عليك.
وعلى مدينتك السلام الذي أنت تَنشده، وتُنشِده بصوت رخيم:
" صباحاً جميلاً
ومعذرةً يا ابنة الشمس
لا شيء في شفتيَّ سوى قبلةٍ من كلام
ولا شيء تحمله راحتي غير باقةِ حبٍ مدلهةٍ
كنتُ خبأتها في دمي
وأتيتُ لأزرعها تحت أقدامك العاريات
ولاشيء في وتري غير " دندنة "
شاءَ حظي التقاط "مقاماتها "
وهي عابرةٌ
تحت شباك بيتٍ قديم
أتيتُ لأنثر بين يديك مقاطعها
وأقول لمن ترتدي حزن عينَي
وأشواق قلبي: سلاماً سلاماً."
_________________________________________
* إبان تكريمه كفارسٍ في باريس.
* المقاطع الشعرية المقوسة من قصائد للشاعر المقالح من ديوانه " كتاب صنعاء " الصادر عن رياض الريس للكتب والنشر.