العِشْقُ الأوّل ..

إلى أبي صلاح  

 

أتوسّدُ ماءً..

أوْ جمراً..

أوْ أقذفُ في وجهِ الريح حجرْ.

وأطلُّ على شبّاككَ

من عالميَ المفتوحِ

أطلّ عليكَ

وأنقشُ وشميَ في تاريخِكَ

تنقشُ وشمَك في وجهي

وتُطلّ عليّ من الأسماءِ الخمسةِ،

من نخلِ الطرقات،

ومن غُرَفِ الإسمنتِ،

من الفتياتِ الملفوفاتِ بعشبِ التاريخِ اليابسْ.


أتوسّدُ تلاّ.

أوْ أطرقُ بابَ الجبلِ الناريِّ

أقدّمُ أغصانَ السدرِ

وأذهبُ معصوبَ العينين إلى التعبِ

أو أخرجُ ملءَ شواطئِكَ الرمليّةِ

أركضُ فيك سنيَّ السفرِ المشمسِ

كيْ تبقى طفلا.

 

يا هذا الوطنُ الماثلُ

هذا الوطنُ الداخلُ

هذا الوطنُ الخارجُ من نزفي.

كم أرعفُ فيك

وأرعفُ منك

وأرتقُ ثوبَك هذا الأبيضَ

أمسح عنه غبارَ التعبِ الأبيضِ

أغسلُ عنه نقاطَ دمي.

يا هذا المرسومُ غصونا في كفِّيّ.

كم كنت خليجكَ

بحرَكَ،

كم أبحرتُ برملكَ

كم قاسمتكَ خبزيَ

والأسئلةَ الصعبةَ

كم أفردتُ رفوفاً لحواشيكَ

زرعتُ خزامي في كفيكَ

وكمْ نادمتك يا وطني

يا نغماً ينسابُ وئيداً

من سعف النخلِ إلى سعف السفنِ

يا طفلاً يكتشفُ العالمَ

أقسم أنّي

سأحّول هذا النغمَ الفردَ إلى لحنٍ خالدْ.

سأزفّكَ عشقاً ريفياً

وأعيدكَ للفرح الغائمْ.

سأطوف "حراركَ"

أجمعُ أنجمَها السوداءَ

وأهديها في الصيف إلى القمر الأبيضْ.

سأعلّمُ صباركَ أنْ ينموَ في الظلِّ

وألبسهُ من حللي ثوبا جوريّا.

سأزوجُ ليلى من قيس

وأعيدُ إلى الصّمّة ريّا.

وأعيدُ إليه ثرى نجدِ.

وألونُ هذا الطينَ الشائخَ بالأزرقْ.

سألونً هذي الصحراءَ بألوانِ الطيفِ

أسّيرُ هذا الشعرَ جواداً

أو نهرا.

سأعلّم أطفالك فنّ الرسمِ

لنرسمَ خطاً ممتدّا:

من بابِ التاريخِ الموصدِ

حتى بابِ التاريخِ المفتوحِ

أعلّمُهمْ

توزيعَ الرقصِ على الجرحِ

أو كيف يصيرُ الماءُ هواءً

كيف تصيرُ الكلمةُ منديلاً في عنُقِ الريحِ

يصيرُ الحبُّ سنابلَ

كيف نحوّلُ ماءَ البحرِ إلى عطرٍ

والفيءَ إلى غيمةْ,

والشمسَ إلى خيمةْ.

والقلبَ إلى نهرٍ

والعشبَ إلى شجرٍ

والناسَ..
الناسَ..

الناسَ إلى ثمرِ.

 

ممتدٌّ فيك العِشْقُ وأخضرُ

أخضرُ، هذا الممتدُّ

يا وطن الحِلْمِ الريفيِّ

ووطنَ العِشْقِ المخبوءِ

ووطنَ الفتياتِ المرسوماتِ على الظلِّ

أقسمُ أنّي

سأكونُ الطفلَ إذا تحتدُّ

الرجلَ الكاملَ إنْ أصبحتَ الطفلَ

أكونُك يا وطني

يا هذا الطفلُ الكاملُ

هذا المائلُ يا وطني

آليت بأنْ أهواكَ وما خنتُ العهدا.

سويتُ رمالَكَ لي جسداً

وجعلتُ فؤاداً لي نجْدا.

ورفعتكَ فوقَ الكلِّ

إذا ما النارُ سرتْ في النارِ

صرختُ بها كوني بردا.

برداً يا نار على وطني

ووضعتُ على الزَّندِ الزَّندا.

وكسرتُ القيدَ كسرتُ القيدَ

وشلتكُ في صدري قيدا.

 

ممتدٌّ هذا العِشقُ وأزرقُ

أزرقُ هذا العِشقُ الممتدُّ

وضعيفٌ هذا القلبُ ومحْتدُّ.

وجميلٌ هذا الشعرُ

جميلٌ هذا البعدُ إذا كنتَ البعدا.

يا وطني الصعبُ لكم أهواكَ

فلا تخبرْ عنّي أحدا.

أهواكَ..

فلا تخبرْ أحدا.

أحداً.. أحداً

أحداً.. أحدا.