والناسُ نيام

 

لا تستقيمُ الحياةُ بدون الضوء. وهي لا تستقيمُ بدون الضوءِ الأول، التفتحِ الأول، والسلامِ الناعمِ المضيء على العينِ.. الأول.

والناسُ أجناس، ولفعل الضوء عليهم سحرٌ وأجراس.

فالمشرقُ مع الصبح الأول باسمٌ رضيُّ واثقٌ راكضٌ رافع الرأس.

والساحب قدميه الثامنة مهادنٌ مطأطىٌ يعلو أطرافَه اليباس.

أما صاحب العاشرة فقل أعوذ برب الناس، لا تقربه ولا تطلبه إلا بعد رجوع الضوء إلى عينيه الذابلتين، صريعتي الحمرة والنعاس.

أما الناهض مع تجهّمِ الظهيرة فالحذر منه واجبٌ، ونسيانه أولى، فرهانك على تحسن مزاجه خاسر، فهو لن يصفو إلا بعد انتهاء ساعة الدوام الأخيرة الطويلة، إنْ فعل.

وهناك من الناس من ينام إلى المغرب، وهناك من ينام العصر والمغرب، وهؤلاء لا تحدثهم عند قيامهم أبداً، بل لا تحدثهم قبل منتصف الليل، ومن الأفضل أن لا تحدثهم مطلقاً.

وكان آباؤنا يحذروننا من نوم المغرب ويصفونه بنوم الشياطين والجن.

والنوم سلطان، ولكن أي سلطان للنوم في وسائل النقل من السيارة إلى الطائرة، وإن كان لا ضرر في نوم الركاب رغم بشاعته، فالكارثة في نوم السائقين على الطرق الطويلة بل وحتى المتوسطة، خصوصاً من قبل أصحاب الشاحنات الذين يتناولون حبوباً غير متوسطة على الإطلاق، أما أم الكوارث فنوم الأمة عن قضاياها وحقوقها وأراضيها كما نامت نواطير مصر عن ثعالبها، ونوم المسئولين عن قضايا ومصالح الناس، ونوم رجال التعليم عن التحديث والتطوير، ونوم رجال الفكر والتنوير والثقافة والإعلام عن المخاطر الحقيقية التي تحيط التي تحيط بالأوطان والمجتمعات وانشغالهم بالترهات والقضايا الجانبية التافهة فهم في تجزئة وتصنيف لما هو مجزأ مصنف كما يقول الشاعر، ولف ودوران حتى داخوا، وأصابوا الناس بالدوار والنوم.

وترى في الناس من يعشق النوم عشقاً لا يشوبه صحو.

والنوم يحضره متى أراد، وهؤلاء ممن يمكن أن نطلق عليهم فئة ON/OFF  كما في مفتاح الكهرباء تماماً، بل منهم من هو آلي الفصل.

وهذه الفئة تحلّ في مرتبةٍ أعلى من الدببة في بياتها.

وترى في الناس من هو متيّمٌ بالنوم، وترى فيهم من لا ينام ولا يُلام، وهناك من يُلام، وهناك من نومه خيرٌ للأنام.

ومن أفظع الدعاء الدعاء على إنسانٍ بحرمان النوم، ومن ذلك ما يدعى على العاذلِ بأن ( ينام نومه فز ).

ومن وسائل التعذيب المرعبة حرمان السجين من النوم لأيام حتى يسقط معترفاً بما جنى وما لم يجنِ، وقد تفوق الإسرائيليون في ذلك كما في غيره من صنوف التعذيب، وخبراتهم يُستعان بها من قبل دول كبرى لا أغمض الله لهم ولا لها جفنا.

وهناك من نومه خفيف يستيقظ من أي صوت أو حركة، حتى من نسمة هواء، وفي المقابل هناك من لا تجدي مع نومه وسباته صناعة الساعات أو الشاحنات الثقيلة.

ومن الناس من تخاله مستيقظاً وهو نائم، ومنهم من هو نائمٌ ومستيقظٌ في آن، ونائمٌ وهو يأكل، ونائمٌ وهو يعمل فلا ينام ولا يعمل، وهذا في ظني من يوصف لدينا ( بالدّلْخ )، وهو وصف يليق به فهو ( مدلّخ ) على مدار الساعة.

والنعاس مستهجنٌ في العمل، وفي قاعات الدرس، وفي الملتقيات والمحاضرات والندوات والمجالس ولكن من النادر أن لا تلاحظ الناعسين والناعسات.

ومن هذا تثاؤبك أمام ضيفك أو محدثك الثقيل، الذي ينقل حديثه معك إلى الباب وأنت تودعه فيفتح نافذةً جديدةً للحوار، وهو طردٌ مؤدبٌ له مع أنه غير مؤدب في جلوسه،أو وقوفه بالباب.

ويُستثنى من الاستهجان العيون الناعسة، والنواعس كما خلقهنَّ ربي، وهن في نعاسهنَّ يقتلنَ ويصرعن، أي أنهنّ يقمْنَ بأشدّ الأفعال فتكاً على نعاس..

كما تُستثنى نؤوم الضحى المليحة المنعّمة المترفة القاتلة في نومها، وفي صحوها الباعث للخدر، استثناءً لا لبس فيه، أجمع عليه الشعراء، فصيحهم وشعبيهم.

ولكل منا عادةٌ في النومِ وجانب، فهناك من يمشي في نومه، ومن يتدحرج، ومن يضحك، ومن يتحدث، ومن يرفس، ومن يشخر حتى لا ينام الجيرانُ، ولا  تثبت الجدران!!