ساميةٌ هي السيدة سين، فهي في الأسماء والمعاني العظيمة: السماءُ والشمسُ والسحاب، والكرسي والرسالات والرسل والسنن والساعة والإحسان، والإنسانُ والمستقبلُ والجسدُ والنفسُ والسعادة. 

وعندما أتخيلها سيدة حكيمة فاضلة فلأنها كذلك في مملكة الحروف حين تدير مستقبلها بالسين وسوف، وتخبر فتنفي بليس، فليس ذلك كذلك، وغير ذلك كثير، كما تدير النساء العظيمات بيوتهنّ، ومستقبل أسرهنّ. وهي في السموّ وفي السجود، وفي السجود استسلام وانقياد وإيمانُ وصفاء سريرة وسموّ. 

 

وقد ارتبطت السينُ في ذاكرتنا ببلقيس ملكةِ سبأ ونبينا سليمان: 

قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 44 النمل. 

ونجدها في قمة التسامي هنا لدى صاحب السرو الشاعر العراقي الساحر سعدي يوسف: 
 

سموتُ فردّتني سماءٌ خفيضةٌ

                  وعدتُ فما أشقى المعادَ وما أبهى

إذا وردَ الشّذّاذُ خِمساً وجدتني

                أرى الحقّ محضَ الحقِّ أنْ أرِدَ الرّفْها.

 

والسحرُ هنا أيضاً لدى عمر بن أبي ربيعة في هذا التحليق البديع: 
 

أيها المنكح الثريّا سهيلاً

                عمرك الله كيف يلتقيانِ 

هي شاميّةٌ إذا ما استهلّتْ

              وسهيْلٌ إذا استُهلّ يماني.

 

وهي في السطور والأسفار والسّيَر، وفي المساحةِ والمسافةِ والسفر، وفي السفن، وغالباً ما تذكر الإبل في القرآن إذا ما ذكرت السفن أو العكس، وللسفينة ساريةٌ، وللجمل سفينة الصحراء سنام. وهي في السنين، وإمّا ذكرت ذكر الحساب. وهي في الأسوار وفي الأسرار، والرجالُ أسرار النساء، والنساء أسرار الرجال لكن قصصهم جميعا شائعة ذائعة!!

وتكتسي السين حلةً سندسية حديثة في الأندلسِ من نسج ونقش شاعرها لسان الدين بن الخطيب: 

جادَكَ الغيْثُ إذا الغيْثُ هَمى

           يا زَمانَ الوصْلِ بالأندَلُسِ. 

لمْ يكُنْ وصْلُكَ إلاّ حُلُما في

         الكَرَى أو خِلسَةَ المُخْتَلِسِ. 

ورَوَى النّعْمانُ عنْ ماءِ السّما

           كيْفَ يرْوي مالِكٌ عنْ أنسِ.

فكَساهُ الحُسْنُ ثوْباً مُعْلَما 

          يزْدَهي منْهُ بأبْهَى ملْبَسِ. 

حينَ لذّ الأنْسُ مَع حُلْوِ اللّمَى

         هجَمَ الصُّبْحُ هُجومَ الحرَسِ. 

غارَتِ الشُّهْبُ بِنا أو ربّما 

        أثّرَتْ فيها عُيونُ النّرْجِسِ.

 تبْصِرُ الورْدَ غَيوراً برِما

        يكْتَسي منْ غيْظِهِ ما يكْتَسي.

وتَرى الآسَ لَبيباً فهِما

       يسْرِقُ السّمْعَ بأذْنَيْ فرَسِ

ساحِرُ المُقْلَةِ معْسولُ اللّمى

       جالَ في النّفسِ مَجالَ النّفَسِ

 سدَّدَ السّهْمَ وسمّى ورَمى

           ففؤادي نُهْبَةُ المُفْتَرِسِ

وكانت من قبلُ تنسابُ بسلاسة، وهي تتنفسُ نسيمَ الشامِ في سينية البحتري الشهيرة: 
 

صُنتُ نَفسي عَمّا يُدَنِّسُ نَفسي

           وَتَرَفَّعتُ عَن جَدا كُلِّ جِبسِ

وَتَماسَكتُ حينَ زَعزَعَني الدَهر

          التِماساً مِنهُ لِتَعسي وَنَكسي

 

وهي في السكون والسكينةِ والسّكَن، وفي اللباس والستر، وكونها سيدةٌ فهي في النساء، وهنّ لباسٌ لنا كما نحن لهنّ، وقد كرّم الله النساء والله محبٌّ جميلٌ جليل، ورفع من قدرهنّ، فخاطبهنّ، وضرب أمثلةً لنا ولهنّ بهنّ كمريم، وآسية، ونساء الرسول صلوات الله وسلامه عليه، وضم القرآن سورةّ باسمهنّ، وكذلك فعل نبيُّ الرحمةِ رسولُه العربيّ الأمين، وجاء إنسان هذا اليوم ابن الحضارة الماديّة الزائفة، فأذلّهنّ وكمّم أفواههنّ وحط من قدرهنّ، وهو يعرف في قرارة نفسه أنهُ لن تستقيم لنا حضارة بدونهنّ، فنحن طالما رفعنا من قدر النساء رفعنَ رؤوسنا، وقد كنتُ رسمتُ بالسين بعض هذه المعاني والمشاعر في قصيدة العظيمة: 

خُذي بيدي فالبلادُ بلادي 

وذا النخلُ نخلي، وشاهدُ رمْسي 

وذا الماءُ مائي، وذا اليَبْسُ 

أيها المنكح الثريّا سهيلاً 

عمرك الله كيف يلتقيانِ 

هي شاميّةٌ إذا ما استهلّت 

وسهيْلٌ إذا ما استهلّ يماني. يَبْسي 

وحتى المساءُ لهُ دفءُ همسي 

وحتى النساءُ لهنَّ الجمالُ 

الذي رسَمَتْهُ أنامِلُ حَدْسيِ 

فقدّمتهُنَّ، وأعلَيتُهنَّ على كلِّ لبْسِ 

وأسميْتهنَّ سموّاً بهنَّ على كلِّ إنسِ 

فكنَّ الجليلاتِ تاجاً لرأسي 

وكنَّ ليَ الفأل في يومِ نحسِ 

خذي بيدي أخرجيني 

لبعض السّماءِ وبعضِ الهواءِ 

فلنْ يُرضِيَ اللهَ قيْدي ولنْ يُرضيَ اللهَ حَبسي 

خذي بيدي قد سَلِمْتُ من 

الشكِّ هاتي يقيني وهاتي من الحلمِ رأْسي 

فتذكّر أيها القاسي قبلَ أنْ تعبسَ في وجوه النساءِ أو البسطاء، أو سائر الخلق، أو أن تسلبهم حقوقهم، تذكر أنك ولدت عارياً لا يسترك لباسٌ. 

يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ 26 الأعراف، وتموت عارياً من كل شيء، لولا قطعة القماش البيضاء التي ستلفّ بها إلى لحدك، فليسكن البياض إذاً قلبك من قبلُ والسلام.