نعاني كمبدعين إن صحت التسمية وبشكل عام إلا من رحم ربي من فقر لا حدود له في جوانب أساسية وفرعية من الروافد التي تكوّن المبدع وتشكّله وتجعله قابلاً للحياة متأثراً ومؤثراً بها على نحو موجب.
ولو بحثنا لوجدنا أن لدينا عدة صنوف من الفقر مختلفة الألوان والدرجات، تفقد بتمازجها وتماوجها النتاج الإبداعي تلك اللمسة أو الضربة التي تجعله قابلاً للحياة والتجاوز والوصول إلى أماكن أقصى في الجغرافيا وفي التاريخ وفي الذاكرة.. ومن هذه الصنوف:
الفقر الاجتماعي والحياتي.
الفقر السياسي.
أنيميا حادة في الوعي بالمستقبل، وفي قراءة الماضي.
فقر شديد في الثقافة البصرية.
فقر شديد في الثقافة السمعية.
نقص شديد في الذائقة ينعكس على كل ما يحيط بالمبدع وصولاً إلى مظهره.
نقص في اللغات وأولها اللغة العربية الفصحى المبينة.
نقص في المنطق.
نقص في الأدب بمعنى الخلق الرفيع.
نقص في أدب الحوار.
نقص في فهم الهوية وميل حاد إلى تمييعها أو التنصل منها.
نقص في الانتماء للحضارة العربية الإسلامية، أو تشوّه فيه.
وإذا ما تجاوزنا ذلك وجدنا الفقر المادي، وأسبابه كثيرة ومنها إن لم يكن شحه فسوء إدارته، وصرفه على الكتب، والأسفار، وما لا يثبت أو يرتفع على الأرض كمنزل مثلاً يقي من تقلبات الأيام. ومن تلك الأسباب عدم الانسجام مع الواقع، والنمطي، والأسر الوظيفي الجامد غير المنتج، وبالتالي عدم توفر مصدر ثابت للرزق، ناهيك عن وقوف النشامى من المتطوعين بلا كلل للتشويه والتشويش والاستعداء بغرض طرد المبدع أو نفيه لأنه كما يرد في الصيغ المثلى يشكل خطراً على دوران الكرة الأرضية، ووفرة المحاصيل الزراعية، ونجاح الخطط التنموية.
ومن الضروري أن نفهم هنا أننا لا نسعى إلى مثالية مستحيلة يكون فيها المبدع ملاكاً، أو معلماً أو موجهاً فاضلاً، لكننا نشير إلى عوائق تمنع من يسير في سياق الإبداع من الوصول إلى أهدافه، أو من الوصول إلى الناس، أو تجعل منه صدى لأصوات أخرى خصوصاً عندما ينساق خلف الآخر مجرّداً من أدواته وذائقته.. والأدهى والأمر عندما يتجرّد أو يُجرّد من هويته ولغته، من فهمه لواقعه، ومن فهمه لأولوياته وأوليات أمته التي غالباً ما يتحدث باسمها أو يُنظر لها، حتى أصبح ينظر لها نظرة تخلو من الاعتزاز كما نلحظ في الخطابات التي تفجعنا اليوم، وتزيد من مصابنا.
شاهد الحال أن لدينا طاقات إبداعية لا حصر لها، لكنها تذوب وتتلاشى بسبب تنامي الفقر بصنوفه القاتلة، والعولمة بقتلها العمد لكل ما هو إنساني وخاص، ورغبة كثير من منظّرينا وكتّابنا بالطيران معها حتى دون أجنحة أو ريش أو عين مدرّبة تميز السماء من الأرض!!