البدر..

قصيدة حبرها ما جف!

 

منذ أن أعطانا المحبة في مطلعِ العمر، على محبةٍ و "طلال"، وهو يزرع داخل كل قلب كلمة لا تُنسى أبداً.

مشى دربه خطوة.. خطوة، حتى بنى بيننا وبينه جسراً من القصائد العظيمة كأشجار فارعةٍ ثمارُها نائيةٌ دانية..

بدر بن عبد المحسن.. مرت قصائده كجمال الفصول،  كستائر منتقاةٍ بحرصٍ، لا لتحجب النور، بل لتوزعه بحكمةٍ على داخل البيوتِ والصدور، كما يوزع موتزارت نغمات البيانو بفرح عبر التاريخ..

إنَّ في كل قصيدة روح، وفي كل روح نبض، وفي كل نبض كلمة تسكن القلب وتبقى.. كشلال ضوءٍ يمر على عين طفلٍ ودهشةٍ.. لنافذة.

فهوَ مِن رفضه المسافة والسور والحارس؛ ونحن على موعدٍ مع القصيدة التي أبتْ أن تبتعد عنه، ومن ليلة تمرين.. إلى ليلة لو باقي ليلة، هذه القصيدة التي أنارت حروفها أمس الشعر وحاضره.

هذا الشاعر الشاعر الذي احتضن الكلام فطوَع المفردات،  تارة تجده ينحت قصيدته كمثَّال، وتارة أخرى يربت على لونها بريشة رسام.. وتارةً كمتبتِّلٍ.. يدعو والناس نيام.

بدر هو الشاعر الذي لم ينس مفرداته مذ أول حرف كتبه إلى الآن؛ والشاهد على ذلك قصائده التي خطها مذ سنتين  كدهشة الورد، القصيدة التي لم يشهق لها الكادي فحسب، بل شهقت قلوبنا معه..


لعله العطش الذي ينتابنا مع كل قصيدة جديدة كيما نرتوي شعراً!

 

يا دهشـــــــة الورد               ويا شهقة الكادي

وقصايــــــــد الحـب              والفخـــر يا بلادي

أمطري غيمة غزل               واحمليـــــــنا ريح

فوق أحجـار الجبل               وشوكـــة التجريح

وأكاد أجزم أن السر في شعر البدر هو كينونته التي حافظ عليها، وأبقاها على الوعد، فبعد الدهشة جاءت "رذاذ" الحانية، والتي أعادتنا مرة أخرى لشعرهِ المختلف الحي..

فأيّ اختلافٍ

وأيّ ائتلاف:

 رذاذٍ ما سقى خدِّكْ            وعنقود العِنَبْ ما بِيــــــهْ

وتينٍ ما حضَنْ يدِّكْ           ولو طاب ونضجْ مَشْرِيهْ

أنا اللي لوْ صِفَا ودِّكْ         بطير مْنَ الفــــرَحْ والتِّيهْ

وإن تحدثنا عن قصيدة "جديلة" يطول مسرى الكلام عن هذه العالية كنخلة، الندية كوردة، ففي هذه القصيدة يعيد البدر كل حنايا قصائده، الجديلة القنديل التي برهنت على أن الشاعر الحقيقي لا يتغير ولا يتبدل.. لكأن كل قصائد البدر عقد لؤلؤٍ له ذات البريق، وذات الوهج.. الوهج الذي يحرض نبض الشاعر، ويدهش روحه، فيدهشنا مع كل مرة نقرأ قصيدة له، أو نسمعها كأغنية...

جديلة ما وراها صبح          ألا يـــــا طول مسراها

وعين ما تمـــل الذبح          كأن أحبابـــــها عداها

وقلب ما يعرف الصفح         صخر والا الصخر مثله

بحق الشال والخصلة          على جيد كـــــما القنديل

غريب وساري لــهله          ولا يحمل هــــــجاد وليل

هذا هو البدر، قصيدة حبرها ما جف،  في كل قصيدة كتبها بلهفةِ أولِ قصيدة..

فعطني المحبة

هيَ في النهايةِ، أو كبدايةِ عِشقٍ "يا هيه"

كجمال وفتنة السنين التي تمرُّ ولا تمر..

بدر هو خلاصة الشعر والحب والعمر..

وهو الغناء الصافي الحر..

من أعالي الينابيع الذي يهديه الطيرُ، مع الفَجر، لأعالي الشجر..

وهو الحنان على كل قلبٍ.. نخلةٍ.. وإنسان!

بدر ليس سموّ أمير القصيدِ فحسب

بل هو تواضعِ السموّ.. في عِبَارة!


رابط المقال  في صحيفة عكاظ

https://goo.gl/jD4gQ2