لعل أول ما يتبادر للذهن عندما نفكر بالحجارة هو ثورة الحجارة المباركة عبر الانتفاضات الفلسطينية ومنها الأولى 1987- 1993، والثانية 2000  2006، وهي انتفاضة الأقصى، إذاً هو الحجر الفلسطيني في وجه المغتصب الصهيوني اليهودي، والشعب الأعزل في وجه أعتى الجيوش، وأحدث الأسلحة.

 

ويأخذ الحجر الأصم قيمة عليا عندما ينطلق من يد الطفل والمرأة والشيخ في وجوه كفرة اليهود الذين قلوبهم أقسىمن الحجارة، لكنهم بجبنهم وزيف دعواهم يسقطون تحت ضرباتها الموجعة، فيهتز كيانهم، ويفقدون سيطرتهم بفعل الإيمان والإرادة.

وقد تمكنت هذه الانتفاضة الشعبية العفوية من استقطاب القوى الوطنية لتصبح حركة مقاومة منظمة، وورقة تفاوض رابحة، كما استنهضت روح الأمة وضميرها، فعبرت عنها الحركات الثقافية، وساندها المبدعون من كافة أنحاء العالم، وأصبحت الكوفية، والحجر، رمزين قويين في

الأعمال الإبداعية.

والحقيقة أن الانتفاض على المحتل لم يتوقف أبداً، لكننا نرى بوادر انتفاضة ثالثة بسبب تعنت العدو الإسرائيلي، واستمراره في مشاريع التهويد، والاستيطان، والحصار، والاستفزاز، والاعتقال، والتجريف، ولتواجد الثلاثي البشعالأهوج نتانياهو وباراك وليبرمان على رأس الورم السرطاني.

والملفت للنظر أن اليهود كانوا ولا زالوا على قدر مع الحجارة طوال تاريخهم الأسود، فهذا وصف دقيق لهم في القرآن عبر الحجارة: " ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوةً وإنّ من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإنّ منها لما يشّقّقُ فيخرج منه الماء وإنّ منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافلٍ عما تعملون" 74 البقرة، وهو توصيف علمي للحجارة أيضا.

ثم هم في آخر الزمن ملعونون بالحجارة أيضاً حيث تفضح محاولاتهم اليائسة للاختباء من قدرهم، فقد روى الشيخان عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: " لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر وراءه اليهودي: يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله"

 

أمّا نبيهم موسى عليه السلام فله قصتان مع الحجارة أيضا، الأولى حين استسقى:

" وإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ".

 

أما القصة الأخرى فقد أخرج الشيخان  في صحيحيهما عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ): إن موسى كان رجلا حييا ستيرا، لا يرى من جلده شئاستحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده، أما برص وأما أدرة وأما آفة، وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى فخلا يوما وحده، فوضع ثيابه على الحجر، ثم اغتسل ، فلما فرغ أقبل على ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا، أحسن مما خلق الله وأبرأه مما يقولون ، وقام الحجر فأخذ بثوبه فلبسه ، وطفق بالحجر ضربا بعصاه، فوالله إنّ بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا فذلك قوله: ( يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرّأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها ).

 

هي الحجارة واليهود إذاً، أو هم اليهود والحجارة، معادلة في منتهى التوازن، وتوصيف في غاية الدقة، فاجعلوها رمزاً وحافزاً، واجعلوها قيمة ثبات لنا، وزلزلة لهم!!