والحاء حرفٌ ملازمٌ لدارجةِ المصريين كالشين في لهجات أخرى، حيث يحل محل السين مع الفعل المضارع في العربية الفصحى، وهو ملازمٌ للوقت والزمان، والزمان حينٌ من الزمن والدهر، فلدينا حين، وحول، وحقبة، وحُقُبا، وحتّى، وحتّام، وحال، وحثيث: (يطلبهُ حثيثاً)، وحسبان، كما في حسابات الدورات الفلكية والفصول والأيام، لأغراض شتى منها الفلاحة والحرث والمحاصيل، ورحلات الرعي والتجارة، ولقريشٍ رحلة الشتاء والصيف، وهو في الصباح والضحى، والأحد، والمحرم، والحجة.

وهو في المكان تحت، وحول، وحيث، وحِمى، ونحو وناحية وأنحاء، وحدود وحدّ وحرّة، وحصن، وحيّ، وحارة، ومحلّ، وحائط ومحيط، وصحراء، وساحل وبحر، وحمّام، وحيّز، كما هو في المدن والأماكن: حِراء، وأحُد، وحماة، وحمص، وحلب، والحسَكة، وحيفا، وحائل دار أبي الكرم حاتم الطائي، وحطين، والحمراء، والحيرة، والحلّة، وحجر، والحديدة، والبحرين، وحضرموت.

وهو في الرجال محمد خير الأسماء اسم خير الأنام (محمدٌ رسول الله والذين معهُ أشدّاءُ على الكفّار رحماءُ بينهم) الفتح 29، ومحمود وحامد وحمّاد وحمدان، والحسن والحسين سيّدا شباب الجنة وإسحق وصلاح وفلاح ورباح وصالح، وحسام، وحازم، وحكيم، وحافظ، وحسن ومحسن، والحجاج، والحارثُ، كالحارث بن حلزة اليشكري من قبيلة بكر بن وائل، صاحب المعلقة:

 

آذَنَتنَا بِبَينِها أَسمَاءُ

 

رُبَّ ثَاوٍ يَمَلُّ مِنهُ الثَّواءُ

وحمزة وحيدر، وحذيفة، وحنظلة، وحنظلةُ بطلُ الفنان الفلسطيني ناجي العلي الشخصية الأشهر في التعبير عن وضعنا وحالنا، بقدر ما تجرع العرب من حنظل ومرّ، وحي بن يقظان بطلُ ابن طفيل، وحمورابي أبو القانون، وللقانون اليوم محاكم ومستشارون ومحامون.

وفي النساء أمنا حواء، وحوراء وحورية، وحلا، وحياة، وحمدة وحميدة وحامدة، وحُسْن وحسناء، وإحسان، ومحسنة، وسماح، وصباح، وحنان وحنين، وحليمة وحلم، وفرَح ومرَح، ونجاح، وحبيبة، ومليحة، وحلم، وحكيمة، ورحمة، وحناء.

وهو في الحيوانات والجوارح والزواحف والطحالب، فهو في الحوت والتمساح والسلحفاة والحرباء والحية والحمل، والحمر المستنفرة، والحمار، اللهم لا تجعلنا ممن يحملون الأسفار فلا يعون ما فيها، لأنهم لا يحفظونها ولا يحافظون عليها، وهو في الطيور الحمامة والحجل والحدأة.

وهو في الحساب والسحاب، والله يرسل الرياح، فتثيرُ السحاب، فيحيي به الأرضَ بعد موتها، وهو في الحلو والمالح، والبحر بحران، عذبٌ فرات، وملحٌ أُجاج، ومنهما اللحم الطريّ والحلية، وهو في الحبس والاحتباس والحرارةِ، والحراب والحرابةِ، والحماية، والحميّة حميّة الجاهليّة، والحمّى، ولا أشهر في لغتنا من حمّى أبي الطيب المتنبي، حيث حضور الحاء المميز، وكلّ شعرهِ حضورٌ وتميّز:

 

وَزائِرَتي كَأَنَّ بِها حَياءً

 

فَلَيسَ تَزورُ إِلّا في الظَلامِ

 

بَذَلتُ لَها المَطارِفَ وَالحَشايا

 

فَعافَتها وَباتَت في عِظامي

 

يَضيقُ الجِلدُ عَن نَفسي وَعَنها

 

فَتوسِعُهُ بِأَنواعِ السِقامِ

 

إِذا ما فارَقَتني غَسَّلَتني

 

كَأَنّا عاكِفانِ عَلى حَرامِ

 

كَأَنَّ الصُبحَ يَطرُدُها فَتَجري

 

مَدامِعُها بِأَربَعَةٍ سِجامِ

وشواهد الحاء في الشعر العربي لا حصر لها، فها هو الحاء عند الشاعر الفحل جرير ينسابُ برقةٍ وعذوبةٍ وهو الشاعر الهجّاء:

 

أتصحو أم فؤادكَ غيرُ صاح؟

 

عشيةَ همَّ صحبُكَ بالرواحِ

 

تقُولُ العاذلاتُ: عَلاكَ شَيْبٌ

 

أهذا الشيبُ يمنعني مراحي؟

 

سأشكرُ إنْ رددتَ عليَّ ريشي

 

وَأثْبَتَّ القَوادِمَ في جَنَاحي

 

ألَسْتُمْ خَيرَ مَن رَكِبَ المَطَايا

 

وأندى العالمينَ بطونَ راحِ؟

وما دمنا في الندى والكرم والشعر، فبإمكاننا التأكيد على أنّ الكتابة لا تعرف الشحّ الذي يفترض أنْ نحرصَ على اتقائه، فهي فعل خير وبذل وحب وحق وجمال في قاموسنا، وللكتابة الحبر والحدقة والحقول، حقول المعارف وحصادها وأجنحتها، وللشعر كل ذلك مع الحدس والحس والتحليق، وللبيان سحرٌ كما للعيون، وللعيون البحر والكحل، ومنها الباسمة الدافئةُ الحانية، ومنها الحاسدة الحاقدة، ومنها الكسيرةُ الحزينة، ومنها حادة الإبصار كعيني زرقاء اليمامة، ولبعض الكائنات عيونٌ ترى في الظلمة الحالكة، وفي الجنةِ حورٌ عِين، وفي الأرض عيون، منها الحمِئة، وعينٌ حمئة: ذات حمأة وطين أسود، أو هي عينٌ حارةٌ.