يصف الأديب الكبير رسول حمزتوف في رائعته " بلدي" من يتنكر للغته بسخرية مريرة: " أجل, رأيت أمثال هؤلاء الناس, لغتهم الأم بالنسبة لهم لغة صغيرة وفقيرة, فراحوا يبحثون لأنفسهم عن لغة أخرى, غنية وكبيرة, فكان أمرهم من أمر الجدي في الأسطورة الآفارية: ذهب الجدي إلى الغابة لينمو له ذنب ذئب, فعاد حتى بدون قرنين."
ويسترسل رسول فيقول: " أو إنهم يشبهون الوزة, إنها تعرف الغطس والسباحة, ولكن ليس كالسمك. وتعرف الطيران قليلاً ولكن ليس كالطيور, بل تعرف الغناء قليلاً ولكن ليس كالشحرور, إنها لا تعرف أن تفعل شيئاً كما يجب"
أذكر أنني همشت هذا المقطع منذ سنين, وربما استخدمته في كتابة قديمة, وأجدني اليوم واقفاً أمامه وأنا أقلب سيرة حمزتوف متسائلاً ماذا يمكن أن نقول إذاً عن الذين يتنكرون لهويتهم وأوطانهم, الذين يتنكرون لأمتهم وحضارتهم ويريدون تمييعها وتذويبها, وإلحاقها كزريبة أو حضيرة كما يفضلون بأقرب عدوٍّ أو دولة تمكنت ببريقها الزائف من طمس أعينهم, بعد أن عميت القلوب التي في الصدور.
هذا هو المشهد اليوم:
فنحن نشاهد أعداداً هائلة من الماعز والإوز يرطنون بما لا نفهم, ولكننا حين نترجم عجمتهم إلى عربيتنا نجد أنهم يطلبون منا ومن الناس ما يتعارض مع الإيمان والهوية والقيم.
ولكم ولنا أن نستغرب من جموع الإوز والماعز هذه التي انفتحت علينا من كل حدب وصوب, وتكأكأت علينا حتى كأنْ لا صوت يُسمع غير صوتها, وهي تردد ما يتم صياغته وإملاءه عليها من قبل محركي الخيوط المعروفين للجميع.
ومما أمكن استنتاجه من ترجمة خطاباتها وأحاديثها وكتاباتها ما يلي:
نسف العربية كلغة, وككلمة تشير إلى أمة, وما أمكن نسف الأمة.
نفي الإبداع عنها, ورجم مبدعيها المتمسكين بها وبدلالاتها وبهويتهم لأنهم متخلفون وإرهابيون ينبغي نفيهم إلى الصحاري التي يمكن تسميتها بالعربية إلى حين ريثما يتم تقسيمها هي الأخرى.
تغليب الانعزاليين ودسهم بين ظهراني العرب وترويج أفكارهم التي تلتقي ويا سبحان الله مع المخطط الصهيوني لتفكيك وتجزئة الأمة.
شن هجوم إعلامي كاسح لا يتم إلا بتعاون المتخاذلين ضد الدول الحاضنة للعرب والعربية بوصفها دول إرهاب, والتنكر لها ولوجودها.
تسخير الاحتلال الأمريكي لخدمة المخطط الشعوبي تحت مسمى اغتنام الفرصة التاريخية لتحقيق تلك المآرب المريضة.
تناسي أنهم أدوات هدم رخيصة في يد المحتل, ولعبة من ألاعيبه.
توهم أن الحال سيستمر بهذه الصيغة الناقصة, والسعي لإبقائه بهذه الصيغة.
لذا نحن أمام نوعين من الإوز, الأول ليس منا وقد اتضحت مشاريعه منذ سنين طويلة للمتشبثين بحضارتهم وقيمهم. والثاني ويا للعار منا وهو يعمل بلا كلل لتمرير مشاريع كهذه ومنها مشروع الشرق الأوسط الكبير, وهو مبهور بكل ما هو غربي حتى ولو مرّغ أنفه في الوحل.
وكلا النوعين من الإوز ينسى أو يتناسى دروس التاريخ المجانية وأولها استحالة مسح هوية الشعوب, ولغاتها, فكيف إذا كان يحفظها قرآنٌ عربيٌ مبين!!