الشَّجَرُ.. الشَّجَر..!

 

تتفنن الأشجار في اختيار سوقها وأغصانها وألوانها لتتماشى مع الفصول والأمكنة، ومع التضاريس والجغرافيا بشكل يفوق الخيال.

وهي حكيمة تنحني مع الريح فلا تكسر أو تجتث، وكريمة تهب جمالها وظلالها وثمارها وأغصانها بسخاء دون تمييز بين البشر، فهي نبيلة تؤمن بالعدالة والمساواة فلا تفرق بين أحد من المخلوقات، فتهب الجميع من خيراتها: البشر والحيوانات والطيور والحشرات، وهي رغم رقتها الغالبة قد تخشوشن حتى تُدمِي من يريدها بسوء.

وقد سمَتِ الشجرة عبر التاريخ فأقسِم بها تيناً وزيتونا (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) 1. التين، وتميزت فكانت مباركة لا شرقية ولا غربية: (يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ) النور 35، وتسيدت باختيار إلهي، فكانت سدرة المنتهى: (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16)(النجم، وعلت فكانت طيبة ثابتة باسقة كالنخلة لتكون مثالاً للمؤمن في توحيده ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ(24) ( إبراهيم ، ووعداً إلهياً وجزاء للمؤمنين: فاكهة مما يشتهون كالعنب والرمان ضمن جنات النعيم.. كما كانت وعيداً ومثالاً منفراً كشجرة الزقوم: (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ) (26)إبراهيم ، وهي في الآخرة خبيثة مخيفة تبعث على الفزع: (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ) (65)الصافات.

والشجر كالبشر في المظهر والمخبر، وفي التشابه والاختلاف: (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141)(الأنعام.

وتتجلى عبقرية الشجر في عملية التمثيل الضوئي وهي عملية احتراق، وفي   احتراق بعضه الفعلي، حتى وهو مزدان بخضرته، كالمرخ، والعفار، والكلخ، إذ يمنح الآخرين الدفء والحياة، وذلك من عظمة الخالق: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ) يس 80، وثبت أنها عملية كيمائية معقدة تسمح للشجر بتخزين الطاقة القابلة للاشتعال.

 

ويتشابك الشجر فلا يؤذي، وإنما يصبح غابةً وجنةً، ويشتجر الناس فيقتل بعضهم بعضاً، ويتشابكون بالأسلحة، فتشتعل الحروب التي تأكل الأخضر واليابس، ومن أكثر الحروب شراسة وقسوة تلك التي يشنها الإنسان، بشراهته وأنانيته وكفره بالنعم، على الأشجار والغابات وهي مصدر الهواء الذي يتنفسه، حتى طغت اليابسة الجرداء بشكل مروع على المساحات الخضراء، مع أن هذا الإنسان حين أراد تدوين تاريخه ونسبه اصطنع له شجرةً للنسب، ومن قبل ستر بورق التوت عورته.

والشجرة هي كل ما قام على ساق من النبات، وسيقانها مكشوفة واضحة للعيان، ورؤيتها على كثرةٍ مطلب وبشائر خير ونعمة، أما الإنسان إن كشف عن ساقه فدليل على أمر عظيم، ومصاب جلل، والحرب تقوم على ساق إذا اشتدت.

 

وقد هبطت الشجرة بآدم من الجنة السماوية إلى الأرض، ليعود إليها ومن آمن من ذريته، بعد رحلة دنيوية لا تطول مهما طالت: (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) الأعراف 19.

(فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)(طه، قيل هي الحنطة، وقيل الكافور، وقيل شجرة الخلد.

 

ولمريم نخلتها المباركة المعجزة التي دبت فيها الحياة بعد يباس: ( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) ( مريم، وللنخل موقع خاص في القرآن، ومنزلة خاصة في قلوب العرب الذين نزل بلسانهم، فتنوعت بصفاتها وأنواعها الأسماء، والنخل من شجر الجنة (وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10)() ق، و (فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11)() الرحمن. واللينة هي النخلة: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ(5) ( الحشر، واللين هو التمر، ويكمن الإعجاز في النخلة في نظم الحماية من تبخر الماء وفقدانه في بيئتها الصحراوية، وفي دورة الماء والغذاء فيها، مهما شقّت العنان، واحتجبت في السماء كما يصفها أحمد شوقي.

وعلى ذكر اليهود الفاسقين في سورة الحشر، فلليهود شجرهم وهو الغرقد، ولكنه شجر انتهاء لا ابتداء، فقد روى الشيخان عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر وراءه اليهودي: يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله) (ذكره في صحيح الجامع الصغير برقم -7414)، وفي رواية لمسلم: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله.. إلا الغرقد، فإنه من شجر اليهود" (ذكره في: صحيح الجامع الصغير أيضاً -7427).

 

ومن الشجر الذي اقترن بالأنبياء شجرة البيعة، بيعة الرضوان، وهي شجرة سمرة بالحديبية، وكان ما يقارب ألفاً وأربعمائة من الصحابة، قد بايعوا تحتها الرسول صلى الله عليه وسلم على مناجزة قريش، وعدم الفرار: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) (18)  الفتح، ويُذكر أن عمر رضي الله عنه قد أمر بقطعها لما علم أن الناس يقصدونها للصلاة عندها.

 

أما شجرة النبي يونس عليه السلام فهي اليقطين، وهي القرع تظله بساق على خلاف القرع عادة، وهي معجزة له:( فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِين) (146) الصافات.

 

وقد أطلق الإنسان على الشجر أسماء وصفات غريبة متفاوتة، ومن ذلك سُمِّي الموز بقاتل أبيه، لأن شجرة الموز تقلع عندما تكبر، لتنمو إحدى الشجيرات الصغيرة التي حولها، كما يسمى بفاكهة الفلاسفة والحكماء أيضا، ربما لأنه يساعدهم على تحفيز النشاط، والتفكير العميق، ولذلك سبب علمي: فثمرة الموز غنية بالمعادن والأملاح المعدنية: البوتاسيوم والحديد والكالسيوم والفوسفور والماغنيسيوم، وبالفيتامينات: كفيتامين A. B2. B6. B12. D. C. E ، والماء، والكربوهيدرات، بالإضافة إلى احتوائه على ثلاثة سكريات طبيعية: سكروز وسكر الفواكه والجلوكوز، مع الألياف والبروتينات.. كما أنه يتضمن مادة "الفلور" المفيدة للأسنان، وعلى حامضي الفوليك والستريك، وهو من شجر الجنة، وفي القرآن ذكر بانتظامه (وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ) (10) ق.

وأحب الإنسان الشجر كما أحب أولاده فسمى به منذ بدء التاريخ فاختار للرجال مما اختار: ريان، وباسق، ولادن، وعوسج، وريحان، وأثيل، ورياض، وطلحة، وقتادة، وشبام، وثامر، وغصن، وغياض، وترقق مع النساء فسمى جلنار وهو اسم فارسي ويعني زهر الرمان، وجنى، ولِينة وتالة من النخل، وطرفة، وبانة، وأثلة، ورند ومنها رندة، ورندا من رنداء، وزينب، ونورة، وزهرة، وسوسن، وروضة، وجنة، وأفنان، وزعفران، وخيزران، وسروة، وبان، وليلك، ونسرين، ولم ينس الموز فسمى: موزة.

وإن كانت الدول قد اتخذت من الكواكب والنجوم رموزاً لأعلامها دلالة على القوة والعلو والرفعة، فقد اتخذ بعضها من الشجر علَماً وشعاراً ورمزاً، فاقترنت لبنان بشجرة الأرز، والسعودية بالنخلة، وكندا بورقة شجرة القيقب ذات الألوان الجميلة رمزاً في علمها، والشجرة ذاتها كشعار رسمي.

 

وكما كان الشجر مصدراً لإلهام الأسماء، كان مصدراً وملهماً لخيال المبدعين، ولدهاء المحاربين، وفي فيلمThe Lord Of The Rings  يقاتل الشجر إلى جانب قوى الخير والنور ضد قوى الشر والظلام، وعلى ذكر الأساطير، فللشجر حضور وشعر وموت مع زرقاء اليمامة، وقصتها الشهيرة التي غدت أسطورة، وقد وردت في أكثر من سيرة وتاريخ: نوجز ما أوردته وكيبيديا الموسوعة الحرة: في كتاب العقد الفريد:

"زَرقاء بني نُمير: امرأة كانت باليمامة تُبصر الشَعَرةَ البيضاء  في اللبن، وتَنْظُر الراكب على مسيرة ثلاثة أيام، وكانت تُنذر قومها الجُيوش إِذا غَزَتهم، فلا يَأتيهم جَيْشٌ إلا وقد استعدُّوا له، حتى احتال لها بعضُ مَن غزاهم، فأمر أصحابَه فقطعوا شجراً وأمْسكوه أمامهم بأيديهم، ونظرت الزَرقاء، فقالت: إنِّي أرى الشجر قد أقبل إليكم؛ قالوا لها: قد خَرِفْت ورَقّ عقلُك وذَهَب بصرُك، فكذَّبوها، وَصبِّحتهم الخيلُ، وأغارت عليهم، وقُتلت الزَّرقاء. قال: فَقوَّرُوا عَينيها فوجدوا عُروق عينيها قد غرِقت في الإثمد من كثرة ما كانت تَكْتحل به"، ومن كتاب آثار البلاد وأخبار العباد:

"زرقاء اليمامة، كانت ترى الشخص من مسيرة يوم وليلة، ولما سار حسان نحو جديس قال له رياح بن مرة: أيها الملك إن لي أختاً مزوجة في جديس واسمها الزرقاء، وانها زرقاء ترى الشخص من مسيرة يوم وليلة، أخاف أن ترانا فتنذر القوم بنا. فمر أصحابك ليقطعوا أغصان الأشجار وتستروا بها لتشبهوا على اليمامة. وساروا بالليل فقال الملك: وفي الليل أيضاً ? فقال: نعم! إن بصرها بالليل أنفذ! فأمر الملك أصحابه أن يفعلوا ذلك، فلما دنوا من اليمامة ليلاً نظرت الزرقاء وقالت: يا آل جديس سارت إليكم الشجراء وجاءتكم أوائل خيل حِمْيَر. فكذبوها فأنشأت تقول:

خذوا خذوا حذركم يا قوم ينفعكم

فليس ما قد أرى مل أمر يُحتـقرُ

إني أرى شجراً من خلفها بشـرٌ

لأمرٍ اجتمعَ الأقـوامُ والشّـجـرُ

فلما دهمهم حسان قال لها: ماذا رأيت..؟ قالت: الشجر خلفها بشر..! فأمر بقلع عينيها وصلبها على باب جُو، وكانت المدينة قبل هذا تسمى جُواً، فسماها تبّع اليمامة وقال:

وسَمّيتُ جُوّاً باليمـامة بـعـدمـا

تركتُ عيوناً بالـيمـامة هـمّـلا

وقد استند الشاعر الكبير أمل دنقل على هذه القصة ليحكي نكسة حزيران  67 شعراً، في ديوانه، وقصيدته الرائعة "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة":

قلتِ لهم ما قلتِ عن قوافل الغبارْ

فاتهموا عينيك، يا زرقاء، بالبوارْ

قلتِ لهم ما قلتِ عن مسيرةِ الأشجارْ..

فاستضحكوا من وهمكِ الثرثارْ

وحين فوجئوا بحدِّ السيفِ: قايضوا بنا

والتمسوا النجاةَ والفرارْ

ونحن جرحى القلبِ،

جرحى الروحِ والفمِ

لمْ يبقَ إلا الموتُ والحطامُ والدّمارْ.

ومن حطام الأشجار ينشأ الإعمار، إعمار المدن والحضارة عبر الصناعة القائمة على الأخشاب، أو عبر مسيرة الإنسان والعلم في استغلال كل ما في الأشجار من الجذور وحتى الأوراق والزهور والثمار، ومن الأغذية والأدوية وحتى مستحضرات التجميل والعطور.

إذاً بالشجر دارت عجلة الحضارة منذ القدم، فحافظ الإنسان بما يقطع ويصنع من الأخشاب على نسله وذريته (سفينة نوح)، واستغله مقيماً: (النار، والمأوى)، ومتنقلاً مرتحلا:ً (الدولاب والقارب )، ومتحضراً مدوّناً: (الورق)، وغير ذلك مما لا تحصيه موسوعة.

وفي الشجر أدوية وعلاج وشفاء، كما في العسل الذي ينسب في الغالب لشجره لا لنحله، ومن الشجر ما لا يثمر كالصفصاف، فيتخذ مثلاً  لمن لا يرتجى منه خيراً من البشر، وفيه ما هو سام وقاتل كبعض أنواع التوت والفطر، ومنها ما هو فاتك مفترس، ومنها ما هو مخدر محرم كالحشيش، والأفيون، ومنها ما هو ضار كالتبغ، والقات، ومنها ما ينتج المطاط، ومنها ما ينتج الصمغ، ومنها ما ينتج اللبان.. ومنها ما يعدل المزاج، ويؤسس للتقاليد المتوارثة، كالشاي، والبن، وأنواع الزهورات، والنعناع وغيره، ومن المهم أن نعرج على البن هنا، بحكم أنه نتاج عربيّ يمني، فشجرة البن تكتسب أهمية خاصة في اليمن، وترجع شهرتها إلى أوائل القرن السادس عشر، والاستعمار عبر الشركات العابرة للمحيطات، الباحثة عن الخيرات في المياه الدافئة، وإلى ميناء المخاء تحديداً الذي يقع على البحر الأحمر غرب العاصمة صنعاء، الذي كان مركز تصدير أجود أنواع البن للعالم، ومنه جاء الاسم موكا، العلامة التجارية العالمية، والرمز لأفضل أنواع البن.

وبرغم التناقص المستمر في النباتات، بفعل تعدي الإنسان، يتجاوز عدد الأنواع المدونة في المملكة النباتية 550.000 نوعاً، منها 230.000 من النباتات المزهرة، وكاسيات البذور، التي تتشكل منها المحاصيل الزراعية، وأشجار الزينة، والأشجار المألوفة التي نعرف نزراً يسيراً منها وتنحدر من 300 عائلة شجرية تقريباً، وإذا كانت الصين أكبر دول العالم في تعداد السكان، فإن الصنوبر هو أكثر الأشجار تعداداً إذ يشكل ما يقارب 20% من أشجار العالم.

فسبحان الله كم هي بديعة مسالمة هذه الأشجار في نشأتها وحياتها وتنوعها واختلافها، وكم هي بديعة في مماتها حينما تموت واقفة ثابتة ثبات الجبال، وهنا لا يمكن إلا أن نتئدكر ديوان (الأشجار تموت واقفة) لمعين بسيسو، وهي تعطي حتى حينما تندثر تحت التراب، فتكون مصدر خير وإثراء وطاقة وحضارة عبر مخزونات الذهب الأسود، والفحم النباتي والحجري، أو حينما تتعدد فوائدها حسب منتجها، كما وقف على ذلك الإمام الشافعي رحمه الله: حيث يُروى أنه جاءه بعض الناس، وطلبوا منه أن يذكر لهم دليلاً على وجود الله عز وجل، ففكر لحظة، ثم قال لهم: الدليل هو ورقة التوت. فتعجب الناس من هذه الإجابة، وتساءلوا: كيف تكون ورقة التوت دليلاً على وجود الله فقال الإمام الشافعى: "ورقة التوت طعمها واحد؛ لكن إذا أكلها دود القز أخرج حريرا، وإذا أكلها النحل أخرج عسلاً، وإذا أكلها الظبي أخرج المسك ذا لرائحة الطيبة.. فمن الذي وحَّدَ الأصل وعدَّد المخارج..؟!

إنه الله سبحانه وتعالى خالق الكون العظيم.