هل يمكن أن يُوجَدَ بخلٌ ثقافيّ؟!
نحن نعرف البخل بشكل عام، ومن قبله سجية الشح، ولا يوجد أبغض منهما سواء في القرآن، أو في الأخلاق العربية.


 
ولنجيب على السؤال لنلتفت أولاً إلى الثقافة التي لا تزال  في غالبها تراوح مكانها متخلفة عن الإنجازات الضخمة التي تحققت في مسارات أخرى كالإعلام والتعليم والطب والاقتصاد والرياضة.
ولا تزال مقولات وقضايا مضى عليها أكثر من ربع قرن تطفو على السطح، ولا يزال النفي لا التراكم منهجاً يستنه معظم القادمين الجدد في التعامل مع الإرث والمنجز الذي يجدونه بين أيديهم في هذا القطاع الثقافي أو ذاك..
وما زالت المناقشات السطحية والشخصية هي الغالب على معظم القضايا إلا فيما ندر، وليس آخر ذلك السجال المر حول القناة الثقافية، والذي لم يغير من واقعها شيّا،  كذلك الأندية الأدبية وصداعها، والجمعية، والأسابيع الثقافية.. إلى آخر القائمة.
ولم يصمد من الجهد الثقافي إلاّ بعض الاجتهادات الفردية، والإبداع الفردي، الذي هو أيضاً لا يجد من يسوّقه ويعتني به، فإن طبع في الداخل لم يصل للداخل ولا إلى الخارج، وإن طبع في الخارج لم يصل إلا إلى معرض الكتاب إن وصل.. ليظل رهناً لأطماع دور النشر العربية، واللبنانية تحديداً، التي تجد فينا فريسة مكتنزة دون حقوق تذكر.
 
وفي رأيي أن مشكلة الثقافة السعودية لا يمكن أن تجد حلاً إلا بدخول رجال الأعمال إلى مضمارها كما في كافة دول العالم..
بل إن مسؤولاً ثقافياً سابقاً كالدكتور أبو بكر با قادر كان يطالب أصحاب المشاريع الثقافية الجديدة والكبيرة بجلب رعاة لتحقيق مشاريعهم، لأن الوزارة لا تملك المال الكافي لذلك.. وربما حدث ذلك أيضاً مع الدكتور يحي بن جنيد عندما حاول الحصول على دعم الوزارة لإقامة مكتبة إسلامية ثقافية في الصين.. ولم يستطع، وتغلب على ذلك بإيجاد طريقه الخاص.. وهاهي المكتبة تتنفس في الصين.

ونحن نريد أن نلفت نظر رجال الأعمال المحترمين إلى أن أمثالهم في الدول الأخرى هم الذين يعول عليهم في تطوير مدنهم، والرقي بها، وأن الرقي لا يكون بالمطاعم والأسواق فقط، ولكن مقياس الرقي الحقيقي والتطور الجوهري هو في الوعي، وفي الثقافة بكل فروعها وصنوفها.

ورغم وجود رجال أعمال قدموا الكثير للثقافة عبر عطاءاتهم وصوالينهم الثقافية، ومبادراتهم هنا وهناك، إلا أن هنالك الكثير مما يمكن أن يفعله رجال الأعمال، ومجالس إدارة الصحف العريقة، والجهات ذات الصلة، لدعم الثقافة والنتاج الثقافي، والمساهمة مع الدولة في إنشاء وتطوير البنية الثقافية التحتية: النوادي، والمراكز الثقافية، وصالات العرض، وقاعات المسرح، والمكتبات، والجمعيات المختلفة، والمعاهد المتخصصة.

لكن ذلك يجب أن يكون متزامناً مع عدة خطوات لا بد منها:

- جعل الثقافة هدفاً استرايجياً في التخطيط، ورفع استحقاقاتها في ميزانية الدولة والوزارة.
- تأسيس رابطة، أو اتحاد للأدباء بمباركة الدولة، يحفظ حقوقهم ويتحدث باسمهم، ويسعى لدعمهم ورعايتهم، ودعم نتاجهم، عبر مجموعة من الآليات منها صندوق الأديب، والضمان الصحي، والبطاقات التعريفية، والتعريف بالمبدع والإبداع السعودي، وإنشاء صالون للأدباء يلتقون فيه، ويوثقون صلاتهم ببعضهم، ويستقبلون فيه ضيوف الوطن وضيوفهم
- إنشاء مجمع ثقافي يحفظ المنتج الثقافي للمملكة العربية السعودية قديمه وجديده عبر أحدث الوسائل، ويعيد طباعته وتسويقه بشكل ربحي.
- إنشاء دار توزيع ثقافية سعودية، على غرار الشركة الوطنية للتوزيع، تجعل الكتاب السعودي متوفراً في كل بلد عربي، وعاصمة عالمية. فصوتنا يصل إعلامياً وبقوة، وأعمالنا الإبداعية لا تصل، بل تضيق بها المستودعات.
- الاهتمام بصناعة الثقافة، والمنتج الثقافي، والتركيز عليهما، والرهان على مستقبلهما.
إذا فعلنا ولو جزءاً من ذلك نكون قد أجبنا على سؤالنا عن البخل الثقافي بالنفي، ونعمنا بكرم طال انتظاره لوطن قطع أشواطاً كبيرة في كل المجالات تقريباً، ولا يزال يتعثر في خطواته الثقافية.