لذا تلاقي جيوشاً
من الخواء المزخرف

البردوني
 

ننظر حولنا متابعين هذا النتاج الهائل للأعمال الشعرية والقصصية والروائية، وما يتبعها من نقد، وما يجاورها من مقالات أدبية، ونتاج صحفي..
فماذا نجد؟!
وبم نعود؟!
نجد بشكل عام ركاما هائلا من الفوضى، والضعف، والتبلد، والبرود، والسخف.
ونعود بالألم والحسرة والانكسار.
حتى أننا لم نعد نعرف كنه الذي نقرأ، هذا إن استطعنا جمعه وقراءته.
وتحت أي اسم نضع هذه الكائنات المشوهة.
فلا القصة قصة،
ولا الرواية رواية،
ولا الشعر شعر،
حتى السيدة المقالة لم تعد سيدة محترمة، ولم تعد مقالة.

إنها حالة غريبة من الفوضى والعبث، وعدم المبالاة تصل بالأدب إلى قلة الأدب.
وبالنبل إلى الحقارة والخسة
وبالسمو إلى الوضاعة
وبالقيم إلى العدم
وبالسخاء إلى البخل
وبالرِّفْه إلى الحضيض
وبالجمال إلى القبح
وبالتناغم إلى النشاز
وبالكرامة والاعتزاز إلى الذلة
وبالعلو إلى الدون
وبكائن الإبداع ذي الألوان العميقة، والظلال، والهيبة والأنغام الساحرة، والحضور الأخاذ الطاغي، إلى مسخ مشوه بارد العينين ثقيل الخطى، قبيح الصوت، مهدّم هادم.
ترى أين ذهب ذلك المبدع الذي نركض خلفه، ونحمل كتبه وأوراقه، وإما دخل علينا وقفنا له احتراما وإجلالا.
أين ذهب ذلك المحترق بهمومه، وهموم أهله، ووطنه وأمته؟!
أين ذهب ذلك الغني الفقير الذي لا يدخل على الإبداع بعباءة، ولا يخرج على الناس بعورة أو ابتذال؟!
أين ذهب ذلك المكابد المُعاني، المحب المتفاني، الجرح والبلسم؟!
أين ذهب كتلة المشاعر والإحساس ذاك؟!
هل انقرض أم اختفى أم تخفى؟!
هل آذت عيونه مشاهد الخراب فلاذ بعزلة فارهة؟!
هل آثر الصمت حين آذته الضفادع؟!
هل رأى من السخف ما لا يحتمله قلبه الرهيف؟!
هل رأى كما رأى صاحبه بأنه من أمة تداركها الله.. غريب كصالح في ثمود؟!
هل آذاه أن الفضاء الكتابي في معظمه أصبح للمقيمين على رمال الخيانة المتحركة، والتافهين المارقين بلا قيم ولا ضمير، والمبهورين بزيف الغرب، وبريق سرابه الخادع، وخديعته المتوارثة.
تلك التي لم يتعلم من لسعاتها وسياطها السادرون في عتمة الأوراق الخضراء، والبسمات الصفراء، والأفكار السوداء والرقطاء.
أولئك الواقعين في غرام مع الغرب يشبه غرام الأفاعي والعقارب؟!
وهل آذاه التكرار، وتكرار التكرار، وتكرار تكرار التكرار؟!
قال لي الصوت الخفيض مطمئنا ومصححا:
إن ذلك المبدع ليس بواحد، فهم كثر.
وإنهم موجودون فاعلون راسخون، فابحث عن الجمال في الجبال والجلال، واترك الركام للركام، والفوضى للفوضى تأكل بعضها.
وانجُ بذائقتك،
وهمّك،
وحلمك.