محمد جبر الحربي: محمد عبده غير مؤهل للغناء الفصيح.. وأفتخر بقبيلتي “حرب”.. والحداثيون مهدوا لرؤية 2030
حوار: محمد بن يحيى – أنحاء
طبعه محارب، لكنه كما يصف نفسه محاربٌ بالحب، فارس الصراع (الحداثي /الصحوي) منذ الثمانينات، وأيقونة الحداثة الشعرية، كيف يمكن الإحاطة بتجربته الثرية، وهو صاحب “القماشة العريضة” بحسب التعبير المصري الدارج، فهو المفكر والشاعر والأديب والصحفي.. هو محمد جبر الحربي.
دعوته لحوارٍ صحفي، فتكرم بالموافقة بتواضعه الجم ومنحني شرف محاورته، فكان هذا اللقاء.
1- لك تجربة صحفية حافلة وعريقة، كيف ترى صحفاتنا اليوم والبعض يرى أنها فاشلة ورقياً وأيضاً فشلت حتى في تحولها الرقمي؟
لم تواكب الصحافة بشكل عام النقلات النوعية في كافة المجالات، ولا فعلت ذلك وزارة الإعلام بهيئاتها، وبقي إيقاعها بشكل عام متخلفاً عن الرؤية 2030، هناك تغيير ولكنه بطيء وخجول، القوانين التي تتبعها الوزارة، وبعض الصحف مضى عليه عقود، في المقابل هناك جهد جميل في بعض الصحف الورقية والإلكترونية.
يقول الشاعر:
أتكتبُ شيئاً جديداً
وأنت تعيشُ حياةً قديمة..؟َّ!
2- في رجب من عام ١٤٠٥هـ/١٩٨٥م أقيمت أمسية شعرية بالنادي الأدبي في جدة وكنت أحد أبرز من حضرها وأحياها وقد وصفها الناقد د .عبدالله الغذامي بأنها “ليلة من ليالي الحداثة ليلاء”، وأنها “أهم وأبرز ليالي الحداثة”، حدثنا أستاذ محمد عما بقي في ذاكرتك من تلك الليلة؟
هي بداية الانتقال من الجمود إلى الحركة، ومن الرتابة إلى التجديد، ومن النظم إلى الشعر من جهة، وبداية الصدام بين القديم الذي يمثل صحوة أهدافها سياسية بحتة كما أثبتت الأيام، وبين الجديد الحديث الذي يهدف إلى التغيير، وهو ما تبنته في النهاية رؤية 2030، أي أننا مهدنا لهذه الرؤية سواء عبر تطوير الخطاب الأدبي بكافة فنونه، أو عبر التنوير، والتغيير بشكل عام فيما يخص التعليم والإعلام وواقع المرأة والمجتمع.
هي ليلة فاصلة دفعنا ثمنها من أعمارنا، لكننا رأينا النور في آخر النفق، وها نحن نعيش في النور مع الرؤية.
3- في خضم الانفتاح الكبير على كافة الفنون اليوم في بلادنا، برأيك ما قيمة الشعر اليوم وهل لازال في مكانته المعهودة؟
لا خوف على الشعر العربي فمن طبيعته الصراع والعناد والبقاء، فهو بخير، وإن كان مهملاً من الجهات الرسمية المعنية، فالاهتمام كان ولا يزال مركزا على الشعر الشعبي ولذلك أسباب كثيرة، إلا بعض جهود محدودة من الأندية الأدبية ذات الميزانيات الصغيرة، ووزارة الثقافة والإعلام سابقا حسب الوزير وخلفيته الثقافية كخوجة مثلاً، وفي السنتين الأخيرتين بدأ الالتفات إلى الشعر العربي والثقافة بشكل عام، مع تبني وزارة الثقافة للرؤية 2030، وإنشاء أكاديمية الشعر.
الشاهد أن الثقافة بشكل عام، تعيش واقعا جديدا هو عصر الرؤية، وزال كثير من الجمود والقيود التي كانت تكبل المبدع، وبدأنا في التفكير بشكل إيجابي ينقل الشعر من المحلية إلى العالمية، وصرنا نستعين بالإبداع لتحقيق الرؤية.
ونحن أمة شاعرة، وأهل بيان، ولا يمكن أن نصل إلى العالم بدون قوتنا الناعمة، ومنها الشعر العربي، الذي أطالب بإنصاف مبدعيه، وتعويضهم عن الظلم الذي وقع عليهم، والعناية بنتاجهم الرفيع، وكذلك العناية بالأجيال الجديدة الشابة.
وأنا هنا لا أقلل من شأن الشعر الشعبي وجماله، والموروث الشعبي بشكل عام، لكن لا بد من أن يكون هنالك توازن وإنصاف.
4- مؤخرا غنى الفنان محمد عبده القصيدة الشهيرة للشاعر الراحل محمد الثبيتي “بوابة الريح”، كيف رأيتها بصوت فنان العرب؟
محمد عبده فنان كبير، لكنه غير مؤهل لغناء الفصيح، لا عندما غنى “أنشودة المطر” للسياب، ولا للثبيتي، هناك فرق بين أن تكون مثقفاً لديك الخلفية الثقافية، واللغة العربية، لتقدم عملاً فصيحاً، وبين أن تسعى للفت الانتباه، والادعاء بأنك تنتمي لجيل مثقف، محمد أجمل في بساطته وما يحسن، لا في تصنعه.
هي مجرد صرعة أو موضة أو حاجة آنيّة، وليست محاولة جادة عميقة.
على سبيل المثال نحن نجحنا في أغنية “الخزامى” لجدية وثقافة خالد الشيخ، وسعيه الدؤوب لحفظ الكلمات مشكّلةً، وتلقينها للمطربين اللذين أدياها، لكننا لم ننجح بنفس القدر في أغنية “عطر الناس”، لافتقار الملحن والمطرب للقدرة على التعامل مع الفصحى، مع جمال لحن الملحن، وجمال صوت المغني، ولكن ذلك لم يكن كافياً.
5- لوحظ مؤخراً إبرازك لانتمائك القبلي بالإضافة إلى نظمك للشعر العامي، ألا ترى في ذلك نكوصًا على تقاليد وأعراف المثقف الحداثي المعاصر؟
أن تكون شاعراً حديثاً لا يعني أن تمحوَ هويتك، أو تتنكر لها، أو تخجل من انتمائك أياً كان، كما أن كونك فصيحاً لا يعني أن تمحو الشعر الشعبي، فهو فن عالمي، ولكل دولة شعبيها وشعرها المحكي.
والشعراء الحديثون الذين يتندرون على الشعبي، أو يعترضون عليه، هم أنفسهم يفضلون فيروز ومعظم أغانيها العظيمة بالشعبي أو المحكي اللبناني، ويحبون ناظم الغزالي وأغانيه بالشعبي العراقي، وتتلمذوا على مظفر النواب وقلدوه، وأشهر دواوين مظفر هو ” للريل وحمد” وهو ديوان شعبي طبع في بيروت، ويحبون جوزيف حرب صاحب شجرة الأكاسيا بالفصحى، وهو شاعر “أسامينا” الشعبية لفيرروز وعشرات غيرها.
ويحبون طلال ومحمد عبده وجل أغانيهم شعبية، والدكتور عبدالعزيز المقالح رئيس جامعة صنعاء، وأحد رواد القصيدة العربية الحديثة، كتب أجمل أغنيتين لأحمد فتحي، وهما شعبيتان جميلتان “إن يحرمونا” و “صنعانية”.
ويستمعون للغناء الغربي، ومعظمه شعبي.
أنا لا أفهم هذا التناقض.
أما القبيلة فهي أساس وتاريخ وانتماء، والتحضر لا يعني نسف القبيلة، أو نسف الجذور.
الناس تفخر بانتمائها لمكان، أو كيان، ورسولنا العربي الأمين صلوات الله وسلامه عليه، افتخر بنسبه الهاشمي، واستعان بالقبائل العربية في نشر الرسالة، وسار على نهجه الخلفاء.
وأنت حين تقسم تاريخ الشعر العربي تقول هذا أموي، وهذا عباسي.
نعم أنا أفتخر بقبيلتي وبنسبي وبعروبتي، ولا يزال اسمي محمد جبر الحربي.
لم أحذف الحربي لأكون محمد جبر تخلصا من عبء القبيلة التي يراها بعض المتخلفين تخلفا، وأراها قيمةً وتاريخاً مشرفاً وامتداداً وجمالاً.
لكن بعض المثقفين للأسف لا يحبون النسبَ ولا العرب، ويرون في كراهية القبيلة والعروبة تحضراً، وتجاوزاً، نتيجةً لفهم خاطئ، وخلط وتناقضٍ عجيب مريب.
كذلك لم أغير محمداً إلى جورج لأكون حديثاً، لأن اسمي اسم نبي الرحمة والإنسانية والحب والجمال، لا الإرهاب كما يزعمون.
هو هكذا محمد جبر الحربي.. اسم بدوي قبيلي جميل وصاحبه متحضر وحديث..!
أما ما أكتبه في تويتر فهو فضائي الخاص أشاغب وأشاكس فيه كما أشاء، وأوازن فيه بين الخاصة والعامة، بين أهل التخصص، وبين البسطاء مثلي.
ونصيحتي في النهاية لمن ينتقدونني، أن يصرفوا وقتهم للإبداع، وأن يتركوا متابعة ما لا يعجبهم، لعلهم يبدعون كما أفعل فيضيفون شيئاً جديداً لأنفسهم، فتتبع ما يعتقدون أنه سقطاتي لا يغنيهم، ولا يرفعهم عالياً، بل هو دلالة فراغ وسقوط.
6- الكاتب عبدالله بن بخيت وصف مؤخرا كتاب “الحداثة في ميزان الإسلام” بأقبح كتاب صدر باللغة العربية .. ما تعليقك؟
هو كذلك، ولا أريد الآن التشفي أو الشماتة، لكن الناس أصبحت تعلم من هو، ولماذا ألف كتاب الأكاذيب، ودوافعه السياسية المقيتة، وأين هو الآن.
7- في لقاء تلفزيوني وصفت مصممي الأزياء بأنهم ابشع من رأيت وبأنهم مرضى، أليس هذا وصف قاسيا في نظرك كونك عممت عليهم هذا الوصف .. وهل مازلت ترى ذلك؟
قد أكون فعلت دون قصد، وليس بهذه الكلمات تحديداً، أو ربما لم أحسن التعبير عن وجهة نظري في حوارٍ سريع، أنا أقول حسب الظاهرة التي أشاهدها، إن لبس “الشورت”، وعقد الشعر كذيل حصان، لا تجعلانك مخرجاً، أو مسرحياً، كما أن لبس القبعة لا تجعلك فناناً تشكيلياً، وكذلك تدخين الغليون لا يجعلك مفكراً.
أما مصممو الأزياء فأمر معظمهم غريب، فهم يصممون ملابس جميلة، لكنهم لا يحسنون ارتداء ملابس جميلة..!
عموماً، هذه الأمور عندما تكون طبيعية مقبولة، وهي من حق كل إنسان، لكنها غير مقبولة عندما تكون مصطنعة.
تماماً كظاهرة حمل الجيتار من قبل فنانين لا هم عبدالحليم حافظ، ولا هم زياد الرحباني، وكلاهما عبقري، لكنهما لم يحملا جيتاراً في الشوارع والمقاهي.
خذ مثلاً ظاهرة التأوهات والميوعة المبتذلة حد “المثلية”، لدى كثير من المطربين والعاملين في الموسيقى اليوم، وهي ظاهرة مخجلة مقززة، كأن هذا هو ما يجعله فناناً، وهو على مسافة المريخ من الفن.
كثير من هذه الظواهر في الشكل مقبولة من المراهقين، أو يمكن أن نتفهمها من المراهقين، لكننا نمجّها ممن هم في مراحل متقدمة من العمر، وممن يغطون بها نقصهم الفني، وفي النهاية هي آرائي الخاصة.
8- بصراحة أستاذ محمد هل كانت الحداثة في الثمانينات “الحداثة الشعرية” التي كنت أنت أحد أبرز فرسانها مختصة بالشعر فقط أم أنها كانت تخفي وراءها مشروعًا عامًا للتحديث يشمل كل مناحي الحياة في بلادنا؟
باختصار شديد معظم ما كنا نفكر فيه، وندافع عنه، نكتبه ونبدعه وننشره، تحقق بفضل الله مع الرؤية 2030، بعد أن دفعنا الثمن من أعمارنا.. ولم يتبق إلا مزيد من التقدير للمبدعين، والاعتراف بجهودهم، وما قدموه لوطنهم في ظروف صعبة جدا.
9- لماذا لا يكون لدينا مهرجان للشعر على غرار المهرجانات الشهيرة، مهرجان المربد على سبيل مثال .. لدينا مهرجان عكاظ لكنه محلي الطابع؟
كتبت عن ذلك، وطرحت ذلك، ولكن لا حياة لمن تنادي.
10- بالنظر لكل الإبداع الشعري ومسيرتك الحافلة وتاريخك أستاذ محمد، هل ترى أنك اليوم تحظى بالتقدير الذي تستحقه، سواء على المستوى الرسمي أو غير الرسمي؟
في الحقيقة لا، ونعم.
لا، لأنني شاعر سعودي عربي ومعروف عربياً، ووددت لو أن أعمالي الشعرية والنثرية، وأيضا مجلتي هُنا الرياض التي ننتجها ضمن قالب فني، وهي تخدم الرؤية 2030، وتخدم التراث الحضاري السعودي والسياحة والآداب والفنون، ترى النور في العواصم العربية، وتصل للعالمية، على الأقل عبر موقعها، وكذلك نتاج كثير من مبدعي الفصحى في وطني.
ولكنني تعبت من المحاولات إلى درجة كبيرة، إلا أنني لا أريد أن أصل لليأس التام.
ونعم، لأن أكاديمىة الشعر العربي، احتفت بي وبمنجزي الشعري، وكرمتني في يوم الشعر العالمي ٢٠٢١ بمجموعة من القرارات التي تلقي الضوء على تجربتي الشعرية، وتشيعها، والتي أثلجت صدري، وشكري لهم عميقٌ لا ينقطع.
القصيدة الوطنية “هُـنَا مَجْدٌ، ولَيْسَ هُنَاكْ..!” إحدى أجمل قصائد شاعرنا الجميل محمد جبر الحربي
أَلَا سُبْـحَانَ مَــــنْ سَوَّاكْ أَيَا وَطــنَاً.. بِــرُوحِ مَــلَاكْ
وَسُبْـحَـــانَ الـذِي أَرْسَى جَمَـالَـكَ.. عِنْـدَمَـا أَرْسَـاكْ
وَبَهْجَةُ مُهْـجَتِي وَالْـــعِـزُّ أَنِّيْ، وَالْجَــمِيــعُ.. فـِـــدَاكْ
وَأَنَّكَ مَوْطِنِي فِـي السِّــلْمِ إِذْ يَغْشَـاكَ.. مَــا يَــغْشَــاكْ
فَلَا حَـرْبٌ.. هُنَـا نَـخْـشَى دُعاةُ الْحرْبِ مَنْ تَـخْـشَـاك
وَأَنَّ الْخَيْرَ حَـيْثُ تَشَـــاءُ مِنْ يُـمْنَــاكَ.. أَوْ يُــسْــرَاكْ
لِأَنَّ اللهَ.. قَـــدْ أَعْـــطَــى وَخَصَّـكَ عِنَـدَمَــا أَعْـطَــاكْ
وَمَـا أُهْدِيـــــتَ مِـنْ دُوَلٍ فَخَيْرُكَ مَا تُفِيـضُ يَـــــدَاكْ
فَأَنْتَ بِرَحْـمَـةِ الـرَّحْـمَـنِ تَــــرْحَـــمُ مُؤْذِيَـــــاً.. آذَاكْ
وَأَنْـتَ بِـــقُــوَّةِ الْإِيـمَــانِ أَنْـتَ الْــبَــاتِــرُ.. الْــفَــتَّــاكْ
حَمَلْتَ رِسَــالَـةً عُـظْـمَـى فَكَانَ النُّــورُ دَرْبَ خُــطــاكْ
أَيَــا بُشْـرَى الـــرَّسُــــولِ وَقِبْلَــةَ الْإِسْــلَامِ، وَالْأَفْلَاكْ
يُـشَـارُ إِلَــيْــكَ فِـي جَـذَل فَأَهْلاً.. مَـرْحَـبَـاً.. حَـيَّـــــاكْ
بِكَ الْحَرَمَـانِ قَــدْ فُـتِــحَـا لِكُلِّ النَّاسِ عَــبْـرَ سَــمَـــاكْ
وَعَبْرَ الْبَـحْرِ وَالصَّحْرَاءِ جَـــاءَ الْــفُــرْسُ وَالْأَتْــــرَاكْ
فلَــمْ تَحْــمِـلْ عَــلَــى أَحَدٍ فَـــأَنْــتَ مُـحَــمَّـلٌ بِنَــــــدَاكْ
وَلَا هَـــمٌّ لَــدَيْــكَ الْـيَــومَ مَـــنْ آخَــــاكَ.. أَوْ عَــــادَاكْ
فَأنْتَ الْأَصْـــلُ إِنْ كَرِهُوا جُذُورُ الْحُبِّ تَــحْـتَ ثَـــرَاكْ
وَيَا مَنْ تَرْتَــجِـي مَــجْــدَاً هُـنَـا مَـجْـدٌ.وَلَـيْـسَ هُنَــــاكْ