حوارات

 

محمد جبر الحربي: الثقافة قوّة ناعمة وتمثّل ركيزة أساسية في رؤية 2030

 
حاورته: علا خياط - جدة- صحيفة المدينة
 
 
 
لو أحصيت له العمر بعدد الأيام؛ فستجد أنه ناف على الستين بقليل، فميلاده كان في الطائف المأنوس عام 1957م.. وإن أحصيت عمره على إيقاع الشعر والقوافي والمنجز الأدبي فما عليك إلا أن تغوص في مجموعاته الشعرية التسع.. ففيها يتجلّى الشاعر محمد جبر الحربي، رؤية تبحث عن جديد، وشعر يفتش عن فرادة.. لكن؛ لا تحصر «الحربي» في الشعر فحسب؛ إن أردت أن تستقصي خطوات حياته، إذ عليك أن تفتش في أضابير تجربته الصحفية، وخبايا تجربته مع مجلة «هنا الرياض» عليك أن تقرأ ما وراء السطور حين يكتب، وما بعد السطور حين ينصرف إلى غيرها، هذا الحوار محاولة لهزّ تلك الروح بحثًا عن ثمارها.. ستجد الحربي في هذا الحوار «مزهوًا» بلقب «شاعر الوطن والحب والجمال»، فهو يتبادل السكنى مع الوطن، فكلاهما يسكن الآخر بتعبيره، لكنه في المقابل، يبدو محبطًا من الواقع الثقافي، فعمل الجهات المعنية به «بطئ حد الموت» كما يقول، ومعظم من يقدمون البرامج الثقافية والأدبية «بلا عمق معرفي ويبحثون عن نجومية سريعة»، و»بعضهم» جعل من مهمته الأساسية «إحباط المثقف وتكريس غربته ومرضه»، والمحصلة أنه يخشى على الثقافة من أهلها وبعض المشرفين عليها، بيد أنه يشير بطرف الإيجاب والإعجاب إلى موقع الثقافة في رؤية المملكة 2030 كونه يمثل ركيزة أساسية فيها، والقوة الناعمة التي تتحلى بها.. الإجمال لا يغني عن التفاصيل الممتعة طي هذا الحوار.. فهيّا.. مع «الحربي» وعالمه..

قوّة ناعمة

‏* مستشرفًا رؤية المملكة 2030.. كيف تنظر لمستقبل الثقافة في طيّاتها؟

- الثقافة هي أحد الركائز الرئيسية لرؤية 2030 ضمن ما يعرف باسم القوة الناعمة (Soft Power)؛ وتشمل الآداب والفنون والتراث الحضاري والسياحة وكل ما يرسخ الهوية الوطنية، والقيم الروحية، والدولة حريصة بكافة قطاعاتها على الارتقاء بكل ذلك، ونقل صورة حضارية بهية عن المملكة العربية السعودية.

بهرجة وبطء

‏* طالما كانت الثقافة بهذا التأثير الذي تشير إليه.. فماذا يُريد المثقفون والمبدعون من وزارة الثقافة؟

- المثقفون والمبدعون يريدون كل شيء لم يتحقق لهم، والواقع أنه لم يتحقق أي شيء مهم يخدم المبدع تحديدًا، فما تحقق كقارب نجاة يتسع لشخص في محيط، وعلى السفينة آلاف المستغيثين، هذا ما تم إلى الآن، فالبهرجة تغلب على التأصيل، لكننا ما زلنا ننتظر وندعو.. لكنني أشعر أن عمل الجهات المعنية بالثقافة بطيء حد الموت!.

خواء ونرجسية

* من أي زاوية تنظر إلى الطرح الإعلامي الحالي للفنون والنشاطات الثقافية؟

- بعضه جيد، وكثير منه لا يعكس واقع الفن، ولا واقع الثقافة، لأن معظم من يقدمون البرامج تهمهم صورتهم وذواتهم، أكثر من الثقافة ذاتها. يبحثون عن نجومية سريعة، ولا عمق معرفي.
 
دور محوري

‏* أي دور للمثقف في تغيير نمط الحياة والتفكير لدى المتلقي؟

- دور أساسي ومحوري، فالمثقف صاحب رؤية متقدمة وهو قادر على رسم وتحليل الواقع، وغير ذلك كثير جدًا.

اهتمام بالنتائج والأفعال

‏* هل لك أن تشير بإصبع التمييز لأسماء تراها مهمة وداعمة للثقافة والأدب في عصرنا المتسارع؟

لا أحب التطرّق للأسماء، تهمني النتائج والأفعال، ولدينا الآلاف في شتى المجالات ومختلف الفنون لا أظن بالإمكان حصرهم.

خوف على الثقافة

* ممن تخشى على ثقافتنا؟

- أخشى على الثقافة من أهلها ومن بعض الجهات المشرفة عليها حين تكون القرارات مرتجلة وخاطئة وفيها تغليب للمصلحة الذاتية، والرؤية الشخصية، لا الرؤية الشاملة التي تخدم الجميع بعيدًا عن الأنانية، واستثني قلّة من الجهات والأفراد ممن رحم ربي!.

احتمالات مفتوحة

‏* الساحة الإبداعية أصبحت مسرحًا مفتوحًا للتجريب.. فهل تتوقع ظهور متغيرات بنيوية جديدة على شكل القصيدة والقصة والرواية؟

- كلّ شيء ممكن، المهم أن يكون المحتوى مهمًا، أي أن يكون التغيير عن خبرة ودراية، وليس مجرد عبث و»موضة»!.

قيم روحية

‏* أي مستقبل تستشرفه للشعر في زمن التقنية ووسائل التواصل؟

- الإنسان لا يستغني عن القيم الروحية مهما تطورت التقنية، وها أنتِ تحاورين شاعرًا، وربما تتغير طرق التوصيل، أي النشر، بكل تأكيد ولكن سيبقى للكتاب ولديوان الشعر جمهوره ومحبيه ومتابعيه.

مشاريع في الطريق

* بماذا تبشّر الساحة من مشـاريعك الثقافية والأدبية المستقبلية؟

- قبل نهاية 2020 ستصدر «الأعمال الشعرية»؛ مجلد يضم 7 مجموعات شعرية من بداياتي إلى 2015 عن النادي الأدبي بالرياض، و»عطرُ الناس» عن نادي الطائف الأدبي إضافة إلى «حاربتُ بالحب» عن نادي جدة الثقافي، إن شاء الله تعالى. وأحاول جاهدًا إعادة نشر مجلتي «هُنا الرياض» عبر تطوير موقعها المرخص، ولدي 3 مجموعات جديدة، لعام 2021، وأنا أشكرهم جميعًا فقد تعاملوا معي بكل رقي وحب، وأحاول إقامة معرض لمقتنياتي لكنني ما زلت أبحث عن جهة تتبناه وترعاه، لكن يبدو لي «لا تندهي ما في حدا» كما في أغنية فيروز، فالأعمال الجادة والمختلفة لا تعني الكثير من المعنيين بالثقافة للأسف، بل إن البعض دورهم حسب الواقع هو إحباط المثقف وتكريس غربته ومرضه، كان الله في عوننا، نادرًا ما نسمع كلمة نعم منهم ..(لا) متوفرة بكميات مذهلة لديهم!.


لقب محبب

* الكتابة للوطن شرف.. فكيف كتبت الوطن في أشعارك؟

- كتبته بقلبي وتعبي ودمي، ودموعي أحيانًا، وكذلك بعملي الدائم له دون كلل أو ملل، وأنا شاعر الوطن والحب والجمال، هذا ما يطلقه الناس عليَّ، والوطن يسكنني وأسكنه، كذلك الحب والجمال، وأنا سعيد بهذا اللقب.

الحب!

‏* ما الذي دفعك لكتابة قصيدتك «هِي والبلاد!»؟

- الحب.. هو الحب أولاً وأخيرًا، لا يسبقه عندي إلا الإيمان، لذلك أقول لو كان الإيمان شجرة عظيمة لكان الحب ثمرها وظلالها.

‏* وماذا أنت قائل للوطن في الذكرى التسعين ليومه الأغر؟

- أُحِبُّك، مهما وقف في طريقي وحاول إحباطي، وحجبي من لا يحبك.

‏* هل ثمة كلمة لجيل اليوم؟

- لا تقلدني.. لا تقلد أحدًا.


*نشر الحوار في صحيفة المدينة تاريخ  4 أكتوبر 2020