حاوره الأستاذ القدير أسامة الألفي
محمد جبر الحربي: "لا تصدقوا مقولات الروائيين فالشعر لا يزال ديوان العرب"

الشاعر الكبير "محمد جبر الحربي"،هو سفير الشعر السعودي، وأحد الرموز التى تربعت على القمة لثلاثة عقود. ومن ديوان "بين الصمت والجنون"، إلى ديوان "جنان ِحنايا"، خرجت قصائده تحمل صوت أمته وقضايا بلاده.

ماالذى يميز شعر الحربى عن غيره من أبناء جيله؟
أميل للبساطة والناس، عروبيّ الهوى بلا انتماء حزبي، أحب أهلى وأوطاني، وأشعر بالأسرى والشهداء والمظلومين ومعاناة البسطاء، أحاول كتابة السهل الممتنع، وأحب التجريب. لى مواقف واضحة لا أحيد عنها أولها أن قضيتنا المركزية فلسطين، وربما كتبت عن المرأة وأنا اقصد الأرض والعكس صحيح.

تنتمى لجيل الثمانينيات من القرن الميلادى الماضى وأذكر محاولاتك مع الصيخان والعودة والثبيتى لتأسيس استقلال الإبداع عن العوامل المعيقة لنموه وما واجهكم من حملة ضارية أدت لتشرذم الحركة الشعرية السعودية وتحويلها من تيار جمعى لحالات فردية، ماذا بقى فى ذهنك من هذه المعارك؟

ما واجهناه كان منظمًا ومدبرًا حاولنا التحذير منه، فانظر معى اليوم نتائجه فى العالم العربي، وما أفرزه من إرهاب، وعصابات مسلحة تغرر بالشباب وتمزق الدول، وتهدم بناها التحتية، وتمزق النسيج الاجتماعي، وتدمر الاقتصاد، وتوجه الحرب إلى غير وجهتها الأساسية فلسطين. وهى مؤامرة لمسخ الهوية وتفتيت الأوطان وشغلها عن التنمية ومواجهة العدو, بينما تتفرج إسرائيل علينا مزهوة بانتصاراتها.

ألمس فى قصائدكم نبرة حزن وألم واغتراب عن الذات والمحيط الاجتماعى جسدها قولك :" أنا غريب كالمتنبى " ، فهل باتت غربة الروح ظاهرة فى الشعر السعودي؟

نعم هى كذلك، ليس فى السعودية فحسب، بل على مستوى عالمنا العربي، فنحن أجيال عانت من الانكسارات، ومن القطيعة بين الأهل والأوطان، ولم نر ما تمنيناه من خير وتنمية ورفاه يتحقق لأمتنا، بل زادت الأمية، والبطالة، والفتن، وتم إهدار الثروات، وكسانا الخريف العربى بالدم والقتل والتدمير والعداوات والتقسيم والطائفية لا بأوراقه الذهبية الصفراء التى تعود أشجارها لتورق. نعم حزينٌ أنا كما يحزن الياسمين، وغريب غربة المتنبى والسياب ودنقل، لأنك تنادى ولا يسمعون، لكننى تعودت أن أربط شعرى بالأمل، تفاءلوا بالخير تجدوه، وسعيت لتغيير نفسى قبل مناداتى بالإصلاح وتغيير الآخرين.

كان الشعر العمودى خيمة العرب الأولى فهل ترون أن العمود كان يمنح الخيمة قيمتها؟

للشعر العمودى هيبته وجماله كما نراه لدى الجواهرى والبردونى وعبد الرزاق عبد الواحد على سبيل المثال، والأخيران حديثان فى نظري، وهناك نظم بارد لا قيمة له، وإن كان للتفعيلة عباقرتها. أنا شخصياً أحب الغناء، وأكتب التفعيلة وأحن للعمودى فأكتبه أحيانًا، الشعر غناء الروح والإنسان، أما قصيدة النثر فأتأملها، وندرة من يشعروننى بميل لها.

يقولون "هذا زمن الرواية" فهل سقطت دولة الشعر؟

سيظل الشعر ديوان العرب، بمن عاش و من مات من مبدعيه ما زال مشرقا وحاضرا، من المتنبى حتى درويش، أمل دنقل، والسياب، وغيرهم كثر. "زمن الرواية" مقولة روجها كتاب ونقاد تسيدوا الملاحق الثقافية مروجين لبضاعتهم. وأرى أن الروايات المميزة لدينا قليلة نسبة إلى كمها الهائل، وكذلك دواوين الشعر الصالحة للقراءة من بين الغث الكثير المنشور، وأتمنى أن يسير الشعر والرواية جنباً إلى جنب كما كان الأمر فى الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات، لا أن يلغى أحدهما الآخر عبر حروب صحفية، وكتاب يفتقرون للمصداقية، أو يجهلون دورهم الحقيقي.

من يلفت انتباهك من شعراء السعودية الشباب وما سمات القصيدة السعودية المعاصرة؟

والله أعدادهم كبيرة، وهم أحبابي، يشعروننى بسعادة غامرة، وكثير منهم أفضل من كثير ممن نالوا الشهرة لدينا، وأنا منهم.