الجزيرة.. نبع الذاكرة
ربما حان الوقت أن أكتب عن هذه الجزيرة التي تحدها الثقافة من كل صوب. بدأت الكتابة مع الجزيرة قبل أكثر من عشرين عامًا بشكل منتظم، عدا البدايات الأولى مع الأستاذ عثمان العمير والأشقر والصالح، وبدأ صوتي يُقرأ عبر زاويتي «أعراف»، حتى سُميت بأبي أعراف. بدأت رحلة القلم، وتعدُّد البوح والقصيد بين نوافذ الجزيرة، إلا أن واحدة من أهم التجارب المميزة المحسوبة لطاقم الثقافة فيها هي مجلتها الثقافية.. وها نحن اليوم نحتفي بمرور 600 عدد، أنتجتها الجزيرة الثقافية بجهود مشرفيها.
الجزيرة التي احتفت بأدباء سعوديين وعرب في مختلف ألوان الثقافة قد حان وقت الاحتفاء بها، وهنا أود أن أذكر أمرًا مهمًّا، هو أن ما أثبتته الجزيرة طوال هذه السنوات كفيل بأن يجعلها علامة فارقة في الإعلام السعودي خاصة، وأننا افتقدنا الحس الثقافي في صحفنا اليومية بعض الشيء، بل ربما في بعض الأحيان أصبحت الثقافة عبئًا يثقل كاهل الصحيفة اليومية؛ لذا كانت مبادرة صحيفة الجزيرة بإصدار مجلة الجزيرة الثقافية مبادرة قيمة، وتستحق التقدير.
وعبر مرفئي بها «أعراف» كتبتُ النثر والشعر، كما أنني كتبتُ سلسلة ينابيع الذاكرة عن عدد من الأصدقاء والأدباء الذين تأثرت بهم، وكانت تلقي الضوء على بعض الأدباء كالشاعر فواز عيد، والبردوني ويوسف الصايغ ومحمود درويش عبدالواحد وعبدالرزاق، وغيرهم من العظماء.. كما كانت الزاوية صدى لأصوات الشباب والشابات السعوديين لنقل تجربتهم الشعرية، وقراءة نتاجهم. وما زال مرفأ أعراف يوثق الإبداع من كل صوب من ينابيع الذاكرة إلى سلسلة الحروف الأبجدية، وإلهام شكل الحرف ومعناه من وجهة نظري الخاصة.
مبارك على هذه المجلة الحبيبة نجاحها، ومبارك على أحبابي نجاحهم، ودعواتي من القلب لهم بطول العمر.. وبمزيد من العطاء الاستثنائي الموجب.
واليوم نحتفي بصدور العدد 600 من الجزيرة الثقافية، هذه الأعداد كانت بمنزلة جداول ثقافية، وينابيع معرفية، استطاعت أن توثق المشهد الثقافي بجدارة، كما أرست المعنى الحقيقي للثقافة السعودية بشكل خاص، والعربية بوجه عام. وفي هذه الرحلة أقول إننا ما زلنا في حاجة ماسة إلى الوعي بأهمية الثقافة وترسيخها، ليس فقط باحتفاء أو ملتقى فحسب بل كجزء من التربية الوطنية لأجيال قادمة؛ فالثقافة هي جزء أصيل من هويتنا الحضارية؛ لذا لا بد من ترسيخها بشتى السبل.
كل وقت والجزيرة بخير وعطاء متجدد، وبمرافئ أكثر تسعد القارئ، وتضيء ثقافته، وتدهش معرفته