فسيحٌ كسجادةِ صلاة!!

 

هذا الصباحُ أنتِ، بعيدةٌ كسماء، وقريبةٌ كدعاء.

هذا الصباحُ يا روحُ مريحٌ وفسيحٌ كسجادةِ صلاة، فالصباحُ أنا وأنت، ونحنُ وهُم، والصباحُ إيمانٌ وقبولٌ وتفاؤلٌ وسعادةٌ لا هَمّ.

والصباحُ يقظةُ أوطانٍ وأهل، ودعاء غيب قاصدين ومرتجين، وتسبيحُ طيرٍ وشجر، واشتعالُ عيونٍ ناعسةٍ جميلة، وعقولٍ ذكية، ودهشةُ أطفال، وأحلام نساءٍ ورجال.

والصباحُ تمرُ نخلٍ أصيلٍ قديم، على غربتِه بين الجديدِ حاضرٌ ومقيم. والصباحُ قهوةٌ كريمةٌ تفتحُ أبواب الكلام والسلام والجلال، ودروب الحق والخير والحبّ والجمال.

والحياةُ بفَجرها وصباحِها البداياتُ والغرسُ والأمل، وهو ما لا يتأتى لنوّمِ الصباحِ، ونؤومات الضحى، وهنّ وإنْ كنّ فاتناتٍ منعّمات، فهنّ كسولات بليدات، ولا يتسق الجمال مع التبلد والفراغ، فالجمال الحقيقي جمالُ أرواحٍ وعقولٍ لا مظاهرَ وأشكال!!

الصباحُ تأملٌ وتبّصّرٌ وتخطيطٌ لاكتمال عمل، ومن لا يتأملُ ويتخيلُ لا يبتكرُ جديداً ولا يبدعُ ولا يعمل. فالنهار - كما جعله الله- معاش، لا وسادةٌ وفراش.

وأكثر ما يغيظني، ويضحكني في نفس الوقت، هو الذي يلبسُ حذاءه وهو في طريقه إلى العمل، وشماغه وهو في مصعد مقر عمله، وساعته في مكتبه، وهي ساعة رمليةٌ معطلة، تشيرُ إلى منتصف الوقتِ دائماً، منتصف الليلِ أو منتصفِ النهار، سيان عنده الحضور والغياب، والذهاب والإياب، سرابٌ لا يُرتجى منه غير السراب.

ومن مِنح ومُتع الصباح، متابعة المتقدمين والمتقدمات للمتأخرين والمتأخرات، وهي كمتابعة الصحو للسبات، لكنها ليست كمتابعة الأخبار والنشرات، فهذه تدمي، وتلك تبعث البسمة حتى على الوجوه الكالحات، حين العقال على رؤوس الرجال مال، والكحل من عيون المليحات سال. فالعجلةُ نقيض الأناة، والفوضى نقيض النظام.

وهؤلاء المتأخرون يستهلكون ولا يُنتجون، وينتفعون ولا ينفعون، ويعبسون ولا يبتسمون، لا تحيةَ يلقون، ولا يلتفتون للرد على تحيات الآخرين. فوقتهم قليلٌ بخيل، ودمُهم ثقيل، منكبّين على صحفهم وجوالاتهم، لا يسترعي انتباههم غير القال والقيل.

وصور هؤلاء لا يجيد رسمها إلا فنانو الكاريكاتير، وممثلو الكوميديا، وما أنا من هؤلاء ولا هؤلاء، فما أنا إلا محبٌّ لكِ، وللأهل والأوطان، قد يحسن الدعاء والخطاب والبيان:

فيقولُ لك مع قهوته البكر، صباحُكِ خيرٌ ونخلٌ وتينٌ ورمّان.