الأعشى ومنفوحة والرياض
العطور والتصوير والتشكيل والموسيقى والإيقاع..!

 

يُعتبَر الأعشى رمزاً من رموزِ الشعرِ العربي على مَرِّ العصور، وتعتبر معلقته الشهيرة التي مطلعها:
ودِّعْ هريـرةَ.. إنَّ الركْبَ مُرتَحِلُ
وَهَلْ تُطيقُ ودَاعَاً.. أيُّـها الرجُــل
غَرَّاءُ فرْعاءُ مصقولٌ عوارضَها
تَمْشِي الهُويْنَى كما يمْشِي الوَجِي الوَحِلُ
كأنَّ مِشيَتَها.. مِنْ بيتِ جارتِــــها
مَرُّ السَّحَابةِ لارَيْــــثٌ ولا عَجَلٌ

واحدة من أهم مرجعيات الشعر العربي العظيم، يبدع فيها الأعشى في الوصف، وترسم عيناه عبر بيانه، صوراً، ولوحاتٍ كما يفعل أيَّ فنان: مصورٍ أو تشكيليٍّ أو شاعرٍ عربيٍّ أوْ غربيٍّ حديث.
حيث يجيد في وصف حبيبته، كما يفعل مع الطبيعةِ المحيطة بهِ وبها، بل ويستعين، بالرياضِ المحيطةِ بـ «منفوحة» في وصفها، خالعاً عليها أي «هُريرَة» الألوانَ والروائحَ والإيقاعَ والموسيقى، كما في هذه الأبيات الفريدة:
إذا تقومُ.. يَــضُـــوعُ المِسْـكُ أصْوِرَة
والزَّنْـبَـقُ الوَرْدُ مِنْ أردَانِـــها شَــمِلُ
ما رَوْضَةٌ مِنْ رياضِ الحَزْنِ مُعْشِبةٌ
خَضْرَاءُ.. جَادَ عليها مُسبــــِلٌ هَطِلُ
يُضَاحِكُ الشَّمْسَ مِنْها كَوْكَبٌ شَـرِقٌ
مُؤزَّرٌ.. بعَـمِـيمِ النَّـبْـتِ.. مُـكتَــهِـلُ
يَوْمَـاً بأطْيــبَ منْـها نَـشْــرَ رائِـحةٍ
ولا بِأحْسَـنَ مِنْـها، إذْ دَنَـا الأُصُــلُ
إن في انتقاء هذه الأبيات ذات الرائحة الجميلة الفوَّاحة، مع مطلع القصيدة، مع البيتين الذين يدلان على الحركةِ والإيقاع والموسيقى، للترجمة إلى اللغتين الانجليزية، والفرنسية، ولغات عالمية عبر القارات:
كَأنّ مِشْيَــتَهَا.. مِنْ بَيْتِ جَــارَتِــهَا
مَرُّ السّحابة ِ، لا رَيْـــثٌ ولا عَجَلُ
تَسمَعُ للحَلْيِ وَسْوَاسَاً إذا انْصَرَفَت
كمَا استَعَانَ برِيـــحٍ عِشْرِقٌ زَجِـلُ.
فلدينا هنا رياض الحَزْن، وهو وصف دقيق للرياض العاصمة:
والحَزْن من الأرض ما غلُظ: (اللّهُمَّ لاَ سَهْلَ إِلاَّ مَا جَعَلْتَهُ سَهْلاً وَأَنْتَ تَجْعَلُ الْحَزْن إِنْ شِئْتَ سَهْلاً).
ونحنُ نظن أن الأعشى هو احد من أوائل من استخدموا الورد والزنبق، إن لم يكن أولهم، وهذه هي تركيبتة السحرية الخاصة من العطور والروائح والحركة والموسيقى.
إنَّ في ترجمتها إلى اللغات العالمية، مع العربية، وتصميمها في بروشور يضم هذه النباتات الجميلة، ذات العطر والموسيقى.. توثيق لمنفوحة والرياض، والطبيعة في ذلك العصر، وهو بالضرورة توثيثق للشعر المتقدم في هذه المنطقة من العالم.. وتوثيق للتراث الحضاري للجزيرة العربية، والمملكة العربية السعودية تحديداً.
ولنا أن نلاحظ حجم الدهشة التي ستصيب المطَّلِعين على هذا «البروشور» أو الكتيب.
وإذا ما علمنا أن الأمم اليوم تسعى لترسيخ هويتها عبر «القوة الناعمة» لا عبر الأساطيل، وهو ما تعتمده وتسعى إلى توكيده رؤية 2030.
والقوة الناعمة تشمل فيما تشمل القيم الروحية والثقافة والفنون والآداب والتراث الحضاري والسياحة.
والشعر بالنسبة للعرب هو ديوانهم، وما ذكرته أعلاه شاهدٌ على ذلك، لكن الجهات المعنية -في معظمها- تتنكر للشعر والشاعر للأسف، فلا هي ترسخ القديم، وهو تراثٌ عالمي، يجب نشره عالمياً، وهو تراثنا ونحن مسؤولون عنه، ولا هي في الضفة الأخرى تعتني بالحديث وتدعمه.
فوزارة كوزارة الثقافة، رغم جهودها التي لا يمكن إنكارها، تغيّب الشعر والشاعر السعودي، حتى تجعلنا نتخيل أنهما عدوّان لدودان للإبداع.
فيما تكرس جهدا كبيراً للرواية والقصة القصيرة.
والمفترض أن تتآخى كافة الآداب والفنون لرسم صورة بهية للمملكة العربية السعودية:
أرض الكلمة، وموطن الشعر.


*نشر المقال في مجلة اليمامة باب الثقافة  تاريخ 08/10/2020