دِيْم*


القلبُ المَسْكُونُ بِحُبِّ الناسِ يتِيمْ.
والحُزْنُ الغَضُّ على المَاضِينَ مُقِيمْ.

والعَيْنُ يُغَالِبُها الدَّمْعُ ولا تبكِي
تحكِي:
ما عَادَ لأشجارِ الأوطانِ شَمِيمْ.

لكنَّ النَّجْمَةَ لا ترضَى
تُرْسلُ مِنْدِيلاً مِنْ غَيْمةِ عُرْسِ سَحَابْ.
مِنْ عِطْرٍ مِنْ فرَحٍ خلّابْ.
يَحْمِلُ نَحْوَ زوايا الرُّوحِ نَسِيمْ.

هذا وقتُ الأحْرُفِ ترسمُ لوحتَها في سقفِ المعنَى.
سِحْرَ بياضٍ وفرَاشْ.
عزفَ عصافيرِ الدهشةِ
مِنِ أغصان الشَّجَرِ الواقفِ
في صَبْرِ الوَاثِقِ منذُ قرُونْ.

المِيمُ تُدرِّبُ أجنحة المعرفةِ على عَجَلٍ
يَتبعُها بِتَروٍّ في خَجَلٍ جِيمْ.
أمّا في القلبِ فترفعُ كفّيْها بدعاءٍ نونْ.


ماذا يتبقى مِنّا..؟!
مِنْ حُرْقة حَاضِرِنا
مِنْ مَاضِينا
مِمَّنْ يَسْكُنُ فينا..؟!
ما يتبقى من أشجارٍ واقفةٍ بعدَ حُرُوبْ.
غيرُ العِطْرِ،
التدوينُ على أبوابِ القلبِ،
وأسوارِ الرُّوحِ المجروحْ،
أمَّا الأجسادُ وما تبنيهِ الأجسادُ رَمِيمْ.

نسألُ في غربتِنَا:
ماذا نفعلُ دُونَ أحِبَّتِنَا..؟
نحنُ الغرباءُ كما جِئْنَا
نبحثُ في الوحشةِ عن جَنَّتِنَا
أيتاماً في العتمةِ
شبهَ عراةٍ
نسألُ جيرانَ الرحلةِ في التيهِ تُرَى ما يُفرِحُنَا..؟
نفرحُ بالأوطان ولوْ تُحْزِنُنا،
بالأهلِ، ولوْ يُبْكُونَ، على قلَقٍ أعْيُنَنَا.

نفرحُ بالطيرِ وبالأشجارِ العظمى واقفةً لا تمشِي
لكنْ تأتينَا..
تمشي نحوَ موائِدِنا بالخَيْرِ
وخيرُ الناسِ يبابْ.
لا مَنَّ هنا، لا جَوْرَ، ولا في الغفلةِ نَابْ.

نفرحُ بالنخلةِ، والصَّحْرَاءُ جحِيمْ.
صابرةً وكريمةَ أصْلٍ،
جَادَتْ كالنهرِ بكفِّ كَرِيمْ.

ما يُفرحُ يا فرَحَاً غَابْ
بيتُ الشعرِ العربيِّ يقاوِمُ،
قهوةُ أهلي المُرَّةُ وقتَ الفَجْرِ
تَدُقُّ البَابَ،
فيُفتَحُ بَابْ.

مَنْ يُفرِحُنِي..؟!
تُفرِحني مِنْ بينِ بناتِ الأهْلِ
الطفلة إذْ تتشكَّلُ مِنْ عقليْنْ.
الطفلة يا لَجَمَالِ الشكلِ،
ويا لَجَمَالِ العقلْ.

هذا ما يَعنِينِي
هذا ما يُشْعِلُ شِعْرِي ويقينِي.
الطفلةُ مهما تكبُرُ..
تبقى الطفلةَ في المهجَةِ والعَينِ.
الطفلةُ مِنْ زَهْرٍ وخُزَامَى،
مِنْ فَيْضِ جَنُوبٍ يُشجِينِي
غًنَّى بالعُودِ ومَالْ.
الطفلةُ مِنْ فيْضِ شِمَالْ.
الطفلةُ مِنْ نَعْنَاعٍ يَتَنَامَى:
الطِّفْلَةُ دِيْمْ..!


*دِيْم ابنةُ العقلين العربيين الجميلين يحيى بن جنيد، ودلال الحربي