الضادُ: لسانُ العرب - 2-
والضادُ في ( الفاتحة)، ومن أكثرِ ما يردد المسلم في حياته:
{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}. (7) آمين.
وفي ( الشرح): {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} (3). وهما مثالان آخران على ما ذكرناه في البدء عن تقارب عائلة هذه الحروف.
ولو عرضنا سيرة نبينا نبي الرحمة محمد العربي الأمين صلوات الله وسلامه عليه لحضرت أمثلة لا حصر لها {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (159)آل عمران.
وقولُ الله تعالَى لنبيه المصطفى {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، ووصفه سبحانه له بأعظم الأوصاف:( لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} التوبة 28. و{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} الأنبياء 107. وأحاديث خير الأنام في فضل أصحاب الأخلاق الحميدة الفاضلة كثيرة: (إنما بعثت لأتمّمَ مكارمَ الأخلاق)، (إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً)، وهي سيرته، وسنته، هو وصحابته رضوان الله عليهم أجمعين. ولكم نتمنى أن يتمثل بعض أهلنا ممن يدعون ويكتبون بخلقه الكريم، فيضيئون طريق المحبة والتآخي والتراحم للناس، ويجنبونهم دروب الكراهية والضغينة، ويؤكدون على اللحمة والتضامن، فيحفظون مجتمعاتهم وأوطانهم، ويدرءون عنها شرور الفتن، وما يضمره الأعداء والمخربون، ومن يسعون لنقض نسيج المجتمعات من بعد قوة ووحدة.
والضاد في الضوء والبياض، اللهم اغمر قلوبنا بهما، وأضئ دروبنا، وأزل العتمة والسواد من صدور الناس، لتصفوَ حياتهم وحياتنا.
أما البياض والسواد فقيمتا جمال، يتجليان مع الضاد في يتيمة دوقلة المنبجي، وهي تحفة فنية من تحف الشعر العربي الخالد:
لَهَفي عَلى دَعدٍ وَما حفَلت
إِلّا بحرِّ تلَهُّفي دَعدُ
بَيضاءُ قَد لَبِسَ الأَديمُ أديمَ
الحُسنِ فهو لِجِلدِها جِلدُ
وَيَزينُ فَودَيها إِذا حَسَرَت
ضافي الغَدائِرِ فاحِمٌ جَعدُ
فَالوَجهُ مثل الصُبحِ مبيضٌّ
والفَرعُ مِثلَ اللَيلِ مُسوَدُّ
ضِدّانِ لِما اسْتُجْمِعا حَسُنا
وَالضِدُّ يُظهِرُ حُسنَهُ الضِدُّ
إلى أن يقول:
وَتُجيلُ مِسواكَ الأَراكِ عَلى
رَتلٍ كَأَنَّ رُضابَهُ الشَهدُ
وَاِمتَدَّ مِن أَعضادِها قَصَبٌ
فَعمٌ زهَتهُ مَرافِقٌ دُردُ
وَالمِعصمان فَما يُرى لَهُما
مِن نَعمَةٍ وَبَضاضَةٍ زَندُ.
والكريمُ الذي يغلف الجمال والندى شعره، كريمٌ في حياته:
أَوسَعتُ جُهدَ بَشاشَةٍ وَقِرىً
وَعَلى الكَريمِ لِضَيفِهِ الجُهدُ
فَتَصَرَّمَ المَشتي وَمَنزِلُهُ
رَحبٌ لَدَيَّ وَعَيشُهُ رَغدُ
والضاد في القوة والضعف، فلدينا ضيغم وضرغام، وقوة الأمة في نهوضها، ومن القوة مع الأعداء الضرب (فضربُ الرقاب)، والضعف في المضغة، والضآلة والضحالة، والضنى، والضيق، والضر والمرض، والأمم تضعف، فتكون كالرجل المريض، وما نحن اليوم عن ذلك ببعيد، والمرض في الجسد، وفي القلوب والنوايا: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ}. (29) محمد.
والضاد حرفٌ رقيقٌ، يناسب الكلمات التي تدل على مشاعر فياضة، الضمّ، الحضنَ، والرضاعة، والتضحية. وتجدون فيضا من هذا، وعن غيره من الحروف لدى حسن عباس في كتابه: خصائص الحروف العربية.
منشورات اتحاد الكتاب العرب 1998. كما تجدون هذا الذي أورده عن ابن جني، وهو في النهاية يصب في نهر ضادنا هنا: « (الحاء) فيه رقة، وفي (الخاء) غلظة. فقيل للماء القليل نضح بمعنى رشح، ونضخ للماء الغزير، بمعنى اشتد فورانه في ينبوعه.
فكيف يجتمع في حرف (الخاء) خاصيتا الرخاوة والغلظة، وهما متناقضتان؟.».