الفارِسُ المَطْعُونُ بِحِرَابِ الأَهْل



لا تحزنِي يا حرَّةً عربيَّةً،

مَلَكَتْ زِمامَ منيَّتِي.

فلقدْ ذكرتُكِ والرِّماحُ نواهِلٌ

مِنِّي وبِيضُ الهِنْدِ تقطُرُ مِنْ دمِيْ

فودِدْتُ تقبيلَ السُّيوفِ لأنَّها لمَعَتْ

ولَمْ..

يَحْضُرْ أحَدْ.

 

هِيَ شمعةٌ أشعلتُها من غَيْظِ أحزانِي،

وفيْضِ طَوِيَّتي فَجْراً

ولمْ يحضُرْ أحَدْ.

الوردةُ الأولى على أطرافِ ليلِ الصَّابرينَ

غرسْتُها

بينَ اليَقينِ، ونَوْحِ نائحتينِ قَرَّبَتا المثانِي

في جِنانِ اللهِ

لمْ تَحِدَا

ولمْ يحضُرْ أحَدْ.

هِيَ قطعةٌ منْ عَزْفِ مجهولينَ فاتَ أوانُهمْ،

ظلَّت مُعلَّقةً على ناي الفُراتِ

تُهذِّبُ الصَّحْوَ الخَفِيضَ،

وقسوةَ الإنسانِ والأوطانِ

لمْ يَحفلْ بدعوتِها،

وقطْفِ الصُّبحِ فلَّاحو الغَنائمِ 

ما استفاقَ النُّوَّمُ الثمِلونَ مِنْ سُكْرِ الهَزائمِ

والكلامِ المثْقَلِ الأجْفَانِ بالأوهَامِ

لمْ يحضُرْ - على قَلَقٍ - أحَدْ.

 

هِيَ لحظةٌ مِنْ نقشِ ناحلتينِ حارسَتينِ أدمَنتَا التَّرَقُّبَ خِيفَةً

هِيَ لحظةٌ فانْعَمْ بِنَومِكَ هَانِئاً،

يا صَاحِ نامَ النَّاسُ مثلُكَ

لمْ تفُتْكَ غنائمٌ..

وتحرَّرَتْ مِنْ عبْئِها الأنفالُ،

لا نصْرٌ تيَامَنَ،

لا ثِقاتٌ خُلَّصٌ يُهدونَ للتَّاريِخِ بيضَ رِقَاعِهِمْ.

ما اخْضَرَّتِ الدُّنيا على إيقاعِهِمْ

هذا مُثارُ النَّقْعِ:

تلكَ على اليَمينِ مَقابرُ الزَّمنِ الجَميلِ،

وتلكَ شُهْبُ قلاعِهِمْ.

 

وهُنا قُلوبُ العَاشقينَ لأمَّةٍ عُظمى تَوقَّفَ عَزفُها

ورَوَى الخَليقةَ نَزْفُها..

 

هِيَ فِتنةٌ عُظمى:

لصوصٌ مارِقُونَ تمكَّنوا مِنَّا ومِنْ أشياعِهِمْ.

شِيَعٌ وتجَّارٌ وأشباحٌ شَواحِبُ مِنْ غُثاءِ السَّيلِ

باعوا عَرشَنَا

لا دودةٌ حَفَلَتْ بمَنْسَأةٍ،

ولا إنسٌ أفاقوا

فتنةٌ كبرى..

ولمْ يحضُرْ أحَدْ..

لوداعِ أحزانِ الظَّهيرَةِ..

يا خَديجةُ خَبِّري عنِّي التَّلفَّتَ والنَّدى

أنِّي أمِيرٌ ما أُسِرْتُ إذا أُسِرْتُ مِنَ العِدَا

رِدْءَاً أردتُ فكانَ مُسـتنَدَاً رمادِيَّ الرَّدَى

الموتُ في عينيهِ لمْ أُبْصِرْهُ كنتُ مُرَمَّدَا

والموتُ في أعطافِهِ  ولبستُهُ يا للرِّدَا

أنِّي الْخُذِلْتُ وكنتُ وحْدِي أبْلجاً ومُهنَّدَا

ما خُنْتُ:

كفَّنْتُ الشَّهيدَ،

وناذِراً للموتِ..مُبتَدِراً غَدَا

أفشَيْتُ سِرَّاً..!

لمْ أخُنْ،

خانوا..

ولمْ يحضُرْ أحَدْ.

هوَ نهرُ خِلاَّنِي يُغنِّيهِ الفُراتُ،

وترتَدي أحزانَهُ أضواءُ دِجلةَ

رجَّها المِجْدافُ.

مرَّتني ببابِ النَّومِ أهدَتْنِي مكانِيْ

بينَ أسيادِ الكلامِ وسادةِ الفَوضى العِظامِ

على ينابيعِ النِّظامِ.

 

وكلَّما قلَّبتُ رأسِيَ شَدَّنِي

لعظيمِ حِكمتِهِ

وفارِعِ صَبرِهِ

وطوى الكتابَ على وميضِ الدَّهشةِ،

العينانِ لامِعتانِ

لا صوتٌ،

ولا جَسَدٌ يُعيقُ تدفُّقَ المعنى

الكتابُ يمرُّ منْ مبنىً إلى مبنىً

ومِنْ غيْمٍ إلى غيْمٍ على كتِفِ الجِبالِ،

الأرضُ واقفةٌ على طَللِ الرَّشيدِ،

ووحدُها الأفكارُ لا تَفْنَى

ولا يَفْنَى القَصِيدْ.           

 

هِيَ رؤيةٌ فُتِحَتْ لبابِ الشَّمسِ

مِنْ غَبَشِ الشَّواهِدِ،

نبتةٌ أورقتُها

للرِّيح..

للمَطَرِ الجَديدِ أسُوقهُ لفَرَادَةِ التَّاريخِ

أحفظُهُ لميلادِ الوليدِ مُهدهِداً:

شِبْنَا..

ولمْ يحضُرْ أحَدْ..!

 

 


*العنوان للوحة الفنان ضياء العزاوي.